ياسين احجام : قوة الخطاب المسرحي يكمن في خرية وصدق الفنان المبدع

ياسين احجام واحد من بين الفنانين بالمملكة المغربية ، الذين تمكنوا في زمن قياسي من بصم الساحة المسرحية الوطنية، بشكل أدق بأعمال مسرحية حصدت جوائز غير اعتيادية في مجموعة من الأدوار التشخيصية والتخصصات الفنية والإبداعية. فكان أن اقتحام الفنان المغربي أحجام عالم التمثيل عبر بوابة المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي. قبل ان يتمكن من الإمساك بقواعد وآليات الفعل المسرحي في أقوى تجلياته، وذلك بكثير من الدهاء الفني المنتهي الى خوض غمار الإخراج المسرحي، وتلك تجربة أخرى جعلته أحد الارقام الفاعلة في الساحة المسرحية داخل وخارج المغرب. وللمزيد من تسليط الضوء على شخصية هذا الفنان المعروف بهدوئه وانضباطه المهني كان لنا معه هذا الحوار الحصري بالموازاة مع مشاركته بمسرحية ” اكستازيا ” ضمن المنافسة الرسمية بمهرجان المسرح العربي هنا في بغداد.

س: تأتي الدورة ال 14 لمهرجان المسرح العربي بالعاصمة العراقية / بغداد ، في سياق مشحون بالصراعات والأزمات والحروب، بصفتكم أحد رواد الفن المسرحي المغربي المشارك في فعاليات المهرجان ، ما هي قراءتكم لواقع المسرح العربي في ظل كل هذه التجاذبات ؟ وهل بمقدور المسرحيين العرب رفع سقف الخطاب المسرحي عاليا بشأن ما يقع بمحيطنا العربي بالقدر الذي يخدم القضايا العربية بشكل عام؟*

ج: بالفعل تتزامن الدورة ال 14 من مهرجان المسرح العربي ببغداد مع ظرفية صعبة جدا تعيشها المنطقة العربية ،ظرفية مشوبة بكثير من المشاحنات السياسية والإجتماعية الطاحنة. إضافة الى الأحداث الأليمة بالأراضي الفلسطينة، موازية لهذا الحدث الفني للمسرحيين العرب.لذا يمكن القول أن المناخ العام بالمنطقة يطبعه التوتر، الى أن الامل والحلم يبقى قائما رغم حجم الألم، رغبة في أن يسود السلام العالم العربي ،وكذا العالم بأسره وتنتصر بالنهاية قيم التسامح والمحبة والوئام. وفي السياق ذاته ومن منظور اعتقادي يبقى مقياس قوة الخطاب المسرحي في العالم العربي لمواجهة كل هذه التحديات، يكمن في حرية وصدق الفنان المبدع، وذلك في ضوء طرحه للمواضيع الجادة والهادفة التي يطبعها التجديد والإبتكار والإبداع، إضافة الى خلق خطاب مسرحي قوي قادر على تحريك المياه الراكدة، القادرة بالأساس على خلخلت وزعزعت نسبيا ما هو سائد ومألوف في تصورات العقل العربي. وتأسيسا على ذلك فنحن في الواقع في حاجة ماسة لطرح عروض مسرحية مغاييرة تسائل الإنسان العربي بقوة وتحطيم المسلمات وتكسير جمود الواقع العربي الراهن. ثم في تقديري أرى أن العالم العربي هو رقعة جغرافية كاملة ومتكاملة بكل الإثنيات والعرقيات وكذا الأقليات المتواجدة فيه، باعتبارها مرتبطة بهذه المنطقة من العالم. وعليه يجب أن تكون الأسئلة الفنية والفكرية والادبية والثقافية ذات الصلة بالمسرح ، منصبة حول الذات العربية، وحول الأسئلة الوجودية بشكل كوني ، بعيدا عن الاسئلة السطحية الضيقة.هذا هو المنحى الذي أعشق الإشتغال عليه. وبذات المناسبة أتطلع الى ان يكون الفعل المسرحي العربي، سيما في هذه الدورة للهيئة العربية، مؤطر بعروض مختلفة تلامس حقيقة واقع الشعوب العربية، وتسائل بجرأة الشأن العربي بكل ما يخدم حالة هذه الأمة.

س: يقال إن المسرح العربي لا يتوفر على قاعدة جمهور قار ودائم، برأيكم وانطلاقا من تجربتكم الفنية التي تقارب العقدين من الزمن ، أين يكمن الخلل؟ هل في غياب ثقافة مسرحية لدى الجمهور العربي ؟ أم لضعف العروض المقدمة ومن خلالها ضعف الإحتراف المهني عند فئات بعينها من المسرحيين العرب ؟ أم الأمر*يتعلق بالدور المحتشم للمؤسسات الرسمية ذات الصلة بالوطن العربي ، لعدم إيمانها بالرسالة المجتعمية الكبرى للمسرح؟ أم لهذه الإشكالات مجتمعة* ؟

ج: بكل تأكيد أن الجمهور يعد قاعدة أساسية للفرجة المسرحية، بل هو عنصر حاسم في إقرار ما إذا كانت الصناعة المسرحية متميزة أو العكس. فالإمارات العربية المتحدة على سبيل الذكر من الدول العربية السباقة التى قررت رد الإعتبار لفن المسرح، باعتباره رافد من روافد الثقافة، ومجال تعليمي تربوي تثقيفي محض.وهذه مناسبة نحي من خلالها مسؤولي وزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية الشقيقة على قرارها القاضي بإدراج المسرح كمادة تعليمية بأسلاك التعليم الأساسي. بحيث جعلت من هذا الفن مدخلا لتحقيق هذا المسعى، الى جانب مادة الرياضيات واللغة العربية وباقي اللغات الأجنبية الحية.والعمل على تدريس مادة المسرح كونها مجال أدبي صرف يهدف الى تنمية القدرات الفكرية للعقل ويساهم في تطويرها بشكل يقوي المدارك، ويوسع دائرة تمدن المواطن .إضافة الى كونها ” مادة المسرح” فضاء لطرح الأسئلة المباشرة بكل فروعها الثتقيفية. وهو حال الدول الغربية، التي تعتمد المسرح كمجال للتنشئة وتربية الأطفال، قبل أن يصبحوا رجال الغد. وهنا لابد أن ننوه بالدور الريادي للهيئة العربية للمسرح التي عملت جاهدة من أجل إعادة المسرح والمسرحيين العرب الى الواجهة.من خلال تنظيم دورة المهرجان السنوي وتنظيم الورشات والندوات الفكرية والتطبيقية ، وكذا المؤتمرات ذات الصلة، وتشجيع الإصدارات والمؤلفات الأدبية والفنية المسرحية ،وتقوية مجال النقد ،وتخصيص جوائز تحفيزية لدعم مختلف الاعمال المسرحية ،وتشجيع الشباب على الإنخراط أكثر في العمل المسرحي ،وفتح آفاق جديدة لمسرح الطفل، وغيرها من الانشطة الرامية الى تعزيز المثن المسرحي داخل وخارج الوطن العربي.هذا بالإضافة الى الجائزة الكبرى لسمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي التي غدت تحظى بأهمية إعلامية كبرى.وبالتالي لا يحق لنا أن ننكر دور الهيئة العربية للمسرح في تطوير ودعم هذا الفن بكل روافده بصفة قارية ودورية ودائمة. كما لا ننسى الإقرار بجهود بعض الوزارات العربية في هذا المنحى.وأخص بالذكر هنا وزارة الثقافة والشباب والتواصل / قطاع الثقافة المغربية،التي بعثت الروح من جديد إن صح القول في الجسم المسرحي المغربي بشكل عام، عبر إحياء دور المهرجانات الوطنية، وتخصيص الدعم لها وللعمل المسرحي على أكثر من مستوى، في أفق إرساء قواعد مسرحية دائمة قادرة على خدمة المسرح والمسرحيين ، والتأسيس لمقومات صناعة مسرحية مجتمعية قوية جادة وهادفة.

س: برأيكم ما هي الإضافة النوعية التي غدت تقدمها دورات مهرجان الهيئة العربية للمسرح ،إن على مستوى الكيف والكم المسرحي؟ أو على مستوى طبيعة شخصيات الحضور؟ أو على مستوى النصوص الإبداعية والأدبية التي تتناولها العروض المسرحية سيما المشاركة منها في مسابقات دورات المهرجا ؟

ج: أعتقد أن هذا الامر ينطبق بكل تأكيد على السؤال الثالث ، بحيث تمكنت دورات مهرجان المسرحي العربي المنظمة من طرف الهيئة العربية ، من إعطاء نفس مغايير وروح جديدة ،متميزة وخلاقة للمسرح والمسرحيين العرب. ولا يسعنا في هذا السياق الإ أن نثمن هذه الجهود الموصولة ، ونشد بحرارة على القائمين عليها داخل الهيئة العربية للمسرح.

س: لاشك أن للهيئة العربية للمسرح آثار ملموسة على واقع خشبة أبي الفنون في الوطن العربي ، بفعل الجهود المبذولة على أكثر من صعيد خدمة للمسرح والمسرحين العرب ،في نظركم ما هي مقاربتكم للمشهد المسرحي بشكل عام في الاقطار العربية في حالة حجب أو تغييب دورات مهرجان الهيئة العربية للمسرح بالداخل العربي؟

ج: بالنسبة لهذا السؤال لديا نوع من التحفظ بخصوص بعض المهرجانات التي تقام في الوطن العربي، سيما على مستوى طبيعة أعضاء لجان التحكيم، إذ غالبا ما تنطبع بعض قراراتهم بشأن الأعمال المسرحية بشيء من المحابات، وكذا بعض الشبوهات السياسية في التعاطي مع عروض مسرحية بعينها. وهذه الممارسات تسيء الى فن الخشبة بشكل عام ، وتقوض الادوار التحكيمية والفنية والإبداعية لهذه اللجان. وبالتالي وجب أن يتحلى بعض أعضاء هذه الاخيرة بالحكمة والريادة والتوجيه الفني الصائب ، ومؤطر برؤية أفقية مجسورة بحس الموضوعية والمصداقية والحنكة والإحترافية،المتسمة بالحداثة والمهنية والكفاء العالية والحصافة الفكرية، خدمة للمثن المسرحي من منظور شامل ومتكامل.

س: ماذا يعني لكم انتقاء عرضكم المسرحي الجديد ” اكستازيا ” للتنافس على الجائزة الكبرى من حجم مهرجان المسرح العربي ؟ وما هي قراءتكم لهذه الجوائز الاستثنائية* ؟

ج: في واقع الأمر عملية انتقاء العرض المسرحي لمؤسسة ” أرشون للمثقفات ” إيكستازيا ، لم يأتي اعتباطيا ، بحيث سبق وأن شارك في المهرجان الوطني وحاز على عدة جوائز ،منها جائزة التشخيص النسائي جائز الملابس ، إضافة الى معظم الترشيحات في كل التخصصات التشخيص الرجالي والاخراج وغيره.كما سبق وأن شارك شهر أكتوبر من العام الماضي في فعاليات المهرجان الدولي هنا بالعاصمة العراقية بغداد. واليوم يعود الى ذات العاصمة ببلاد الرافدين عام 2024 ،من أجل المشاركة ضمن المسار الاول لجائزة سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي .وهذا في حد ذاته تشريف لنا وتشريف للمسرح المغربي. على اعتبار أن عروض المسار الاول لا تتجاوز في تقديري 12 أو 13 عرضا مسرحيا من كافة الاقطار العربية المشاركة في مهرجان المسرح العربي الحالي ببغداد. وهذا يدل على مصداقية عملنا المسرحي و مدى قوة تنافسيته. وأتمنى أن تكون عروض المنافسة في المستوى المطلوب ، وحاملة لرؤى متجددة ومبتكرة وفيها بحث وتنقيب عن الافضل.والأكيد سنشاهد في هذه الدورة عروضا مسرحية بقيمة وجودة عالية ، فنيا وإبداعيا وتقنيا وغيرها بالعراق الشقيق.

بغداد – فاطمة البكاري

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد