طيور وأقفاص …

حديث الأحد

وأنا جالس أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد لفت انتباهي بائع متجول، يجول بين طاولات المقهى يعرض سلعته على الزبناء، ويحمل بين يديه بعض المنتوجات، وقفص بداخله طائرين صغيرين …

وعندما اقترب مني، سألته عن القفص وسبب حمله للطائرين والتجول بهما في هذا الجو الحار !

فأجابني أنهما للبيع !

آلمني منظر هذين المخلوقين الحبيسين داخل القفص، والمعاناة جراء الحر، و كذلك سوء التغذية الظاهرة على حالهما، فلون ريشهما باهت، وبالكاد يبلغ وزن كل واحد منهما بضع غرامات، وأحد العصفورين يتحرك قليلا، والثاني في حالة هدوء تام… !

سألت عن الثمن، واشتريت الطائرين من البائع المتجول، وأخذت القفص ورحلت من المقهى في إتجاه البيت …!

وفي الطريق وأنا أسمع زقزقة العصفورين خُيِّلَ إِلَيَّ ( أي تخيلت) للحظة أنني فهمت فحوى المحادثة أو الزقزقة التي كانت تدور بينهما :

فكان الأول يقول للثاني، أبشر يا أخي لقد تحررنا من يد ذلك التاجر قاسي القلب الذي كان يتجول بنا في الطرقات، وبين المقاهي، في الحر وفي البرد، ويُعَرِضُنَا للجوع والعطش حتى كِدْنَا نهلك !

فيجيبه الثاني الذي كان متخذا ركنا من القفص، وبالكاد يُحَرِّك منقاره للرد على صاحبه، فيقول :

اصمت يا غبي !
ما الذي تغير ؟!
فنحن لا زلنا في القيد والأسر، ولا شيء تغير، فالقفص هو هو، والسجن هو هو، والسجان فقط هو من تغير !
وأنت قد تعودت على القيود ونسيت طعم الحرية، حتى أصبح اقصى أحلامك فقط تحسين ظروف الأسر والقيد !

فيجيبه رفيقه، انت دائما متشائم، وترى العالم من زاوية نظر المعاناة ولا تلتفت أبدا لما هو إيجابي !
فالمالك الجديد (يتحدث عني) يظهر أنه مختلف، وربما أثاره وضعنا السيء، ولذلك قام بشرائنا، وعندي إحساس أنه سيعتني بنا أكثر …

نعم سيعتني بنا ! ولكن ليس لأنه مختلف، ولكن فقط حتى تتحسن حالتنا وتصبح ألواننا أجمل، وصوتنا أحسن، لكي يستمتع أكثر بوجودنا في بيته داخل القفص، أو ربما سيشتري قفصا جديدا جميلا ليضعنا داخله فيتغير شكل السجن قليلا، والحال سيبقى على ما هو عليه … !

وما إن وصلنا للمنزل، حتى توقف العصفورين عن الزقزقة وساد الصمت في الأفق، وكأنهما ينتظران ماذا أنا فاعل بهما …

صعدت بهما للطابق الأعلى، حيث توجد غرفة بها بلكونة مطلة على حديقة المنزل، ووضعتهما هناك وشرعت فورا في تنفيذ برنامج تغذية صحي ومكثف للعصفورين، حتى يسترجعا بعضا من عافيتهما …
وما إن أصبحا على حالة جيدة، حملت القفص واتجهت صوب مدخل المدينة حيث توجد غابة صغيرة، والتي تعتبر متنفس المدينة، وأنا في الطريق خُيِّلَ إِلَيَّ مرة أخرى أنني أسمع وصلة جديدة من أحاديث العصفورين :

فيقول العصفور المتشائم لصديقه، ألم أقل لك لا يجب الثقة في الآدميين، هاهو مالكنا الجديد بعد أن أطعمنا وسقانا هذه الأيام، وبعد أن تحسن حالنا، يأخذنا للسوق للبيع وربما ليربح بعض الدريهمات … !

فيجيبه العصفور الآخر : لا تتسرع يا رفيقي، انتظر عسى الله أن يفعل بنا خيرا … !

تخيلت سماع هذا الحديث، فتبسمت ضاحكا من كلامهما، وقلت في نفسي إنما أرجوا لكما الخير !

فأنا أحب الحرية فكيف لي أن احرمكما من شيء انا أول العاشقين له ؟!

وعندما وصلت لِوِجْهَتِي، نزلت من السيارة، واخذت القفص وبهما العصفورين، وفتحت لهما بوابته وقلت ارحلا في سلام ..

ترددا للحظة قبل الوقوف على باب القفص، وبعد لحظات بسيطة انطلقا على التوالي صوب سماء الحرية، وبعد الطيران لفترة رجعا حتى أصبحا على مستوى عالي فوق رأسي، فقاما بوصلة طيران كأنهما يرقصان فرحا وعلى شرفي كعلامة عرفان وشكر …

أقفلت راجعا إلى المقهى التي مر أسبوع على زيارتي لها بعد أخر مرة عندما أقتنيت العصفورين، لاتناول قهوة الصباح، صباح يوم الأحد.

وإلى الاسبوع المقبل … في أمان الله.

(إن أعجبك شاركه )

كتب : د. سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد