شويخ من أرض مكناس …

حديث الأحد.

بعد أن احتسيت قهوة الصباح، صباح يوم الأحد، قمت من مكاني بهذا المقهى الأندلسي الصغير، والأندلسي هنا نسبة للمنطقة التي يتواجد بها، فهو بالقرب من أحد المراكز التجارية الكبيرة بمدينة إشبيلية، بمنطقة الأندلس جنوب اسبانيا …

دخلت المركز التجاري للقيام بجولة فيه، فما زال أمامي ساعات قبل موعد مهم عندي في مركز المدينة …

في أحد المحلات التجارية التي دخلتها صادفني مشهد لمجموعة من النساء العربيات يظهر من أشكالهن أنهن من أحد دول الخليج العربي الغنية …

والسيدات كن يتحدثن بصوت عالي ويناقشن ما هي أفضل الموديلات التي يمكن أن يقتنين، فصرخت احداهن قائلة :
يالا يالا … خودو من كل شي ولا تضيعن علينا الوقت  … !

وفعلا هذا ما حدث، فعند وصولنا لصندوق الأداء، وكنت قد أخذت بعد المشتريات البسيطة أحملها هدايا لمن تركت ورائي في البلد، وجدت صفا طويلا فيه ما يقرب من عشر عربات تسوق، مليئة عن أخرها بالبضائع، وصاحبها طبعا، النساء العربيات اللواتي قررن تقريبا أخذ قطعة من كل المنتوجات التي يسوقها المحل، لدرجة أن بعض الزبناء ما إن رأوا ذلك المنظر، حتى فضلوا ترك مشترياتهم بدل الوقوف في الصف أمام صندوق الأداء، خلف الاخوات العربيات وانتظار الدور مطولا …   
 
ومن غريب الصدف أن الامر سيتكرر بعد ذلك في محل ثاني مع نفس الكوكبة من السيدات، وهذه المرة كان بصحبتهن رجال يرتدون بذلات سوداء أنيقة، وفهمت من أشكالهم أنهم مرافقون لهن، ربما كحراسة أو شيء من هذا القبيل …

هذه المشاهد ذكرتني بمنشور ل “مارك زوكربيرغ” وهو أحد مؤسسي الفيسبوك، والمدير التنفيذي ل “ميتا” التي تملك “الانستغرام” و”الواتساب” وبحسب مجلة “فوربس” الرجل يعتبر 16 أغنى رجل على كوكب الأرض، بثروة تقدر ب 106 مليار دولار، يقول “مارك” في منشوره بعد عودته من عطلة : “اليوم سأعود للعمل، ولكن لست أدري ماذا سأختار من لباس” ونشر معها صورة لخزنة ملابسه، والمفاجأة أن ما كان فيها من اللباس، حرفيا قد تجده عند أي شخص من متوسطي الدخل عندنا، فقط بعض سراويل جينز وقمصان جد عادية، وأعتقد أن الرجل بمنشوره هذا أراد بطريقة غير مباشرة، تمرير رسالة لمئات الملايين من متابعيه، أن اللباس على أهميته يبقى شيء لا يستحق عظيم العناء عند اختياره …

ستيف جوبز مخترع “الايفون” و”الايبود” و”الايباد” كان دائما يكتفي بحذاء رياضي أبيض، وسروال جينز أزرق، وسترة سوداء، وكان يقول ” ألبس نفس الشيء لأنه لدي الكثير من القرارات التي يجب أتخذها كل يوم، لذلك أردت أن أبسط حياتي”

ونفس الكلام تقريبا صرح به الرئيس الأمريكي باراك أوباما، عندما سألوه عن السر وراء اقتصار لباسه فقط على بدل من لونين، الأزرق والرمادي …

والحقيقة أنك عندما تدقق في منطق الكثير من المهوسين باللباس والموضى، لا تجدهم بالضرورة يعملون ذلك إرضاء لأنفسهم، ولكن كثيرا ما يفعلون ذلك لإثارة إحترام وإعجاب الأخرين … مع أن الحكمة من اللباس في نظر الكثيرين أبسط من ذلك، فتراهم عند دخول السوق يرددون أبيات العالم الصوفي الشهير أبو الحسن الششتري :

شَوَيخْ مِن أرْضِ مِكْناس
وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي

أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس
وأشْ على النَّاسِ منِّي

وإلى الأسبوع المقبل.

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد