هل تشهد البرتغال صعودا لتيار اليمين المتطرف في الانتخابات التشريعية المقبلة ؟

هل تصاب البرتغال بـ “عدوى اليمين المتشدد” ؟. حتى الآن، وقبل شهرين على الأقل من تنظيم الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، والمقرر إجراؤها في مستهل شهر مارس المقبل، لا تزال التكهنات تتوقع أن ينحصر التنافس حول السلطة بين الحزبين الرئيسيين في البرتغال: الحزب الاشتراكي، الذي قاد البلاد لمدة ثمان سنوات إلى أن اضطر زعميه التنحي عن السلطة في مستهل شهر نونبر الماضي على خلفية قضية استغلال نفوذ، والحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي ظل في المعارضة منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2015.

لكن ذلك لم يمنع بعض المراقبين للشأن السياسي البرتغالي من استحضار سيناريو ثالث، يرتبط بالصعود المدوي لليمين المتشدد ممثلا بحزب “شيغا” (كفى)، الذي صوت في نهاية الأسبوع الماضي على منح عهدة جديدة لزعيمه ومؤسسه أندريه فونتورا.

وبحسب هؤلاء المراقبين، إن حصل هذا الأمر فإنه سينتقل بالبرتغال إلى دائرة البلدان الأوروبية التي استسلمت للصعود الانتخابي لليمين المتشدد، بعدما ظلت لمدة طويلة في مأمن من الإصابة بهذه العدوى التي اجتاحت بلدان أخرى، مثل إيطاليا والسويد وهولندا والمجر وبولندا…

وقبل الانتخابات التشريعية لسنة 2022، التي سمحت للاشتراكيين البرتغاليين بالحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين، لم يكن حزب “شيغا”، التي تأسس سنة 2019، يثير الانتباه. فعلى الرغم من أنه استطاع في أول انتخابات تشريعية يشارك فيها الحصول على تمثيلية داخل الجمعية الوطنية الجمهورية (البرلمان) من خلال المقعد الذي ظفر به مؤسسه أندريه فانتورا، فإن نفوذه في الحياة السياسية البرتغالية ظل محدودا.

لكن يبدو أن كل شيء قد تغير بعد الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها التي نظمت في أكتوبر 2022، حيث حصل حزب “كفى”، على 12 مقعدا في البرلمان (7,8 في المائة من الأصوات)، ما سمح له بفرض وجوده كثالث قوة سياسية وانتخابية في البلاد.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ الحزب يعزز حضوره، محطة بعد أخرى، مستغلا في ذلك بعض الظروف الداخلية والخارجية التي عرفتها البرتغال، حيث كب ر لديه طموح خوض “سباق المسافات الطويلة” حتى تدخل البرتغال نادي البلدان التي تقودها أحزاب اليمين المتشدد.

فقد تحرك الحزب في عدة اتجاهات لكي يسوق رسالة للبرتغاليين مفادها أنه يمكن التعويل عليه كبديل لـ “أحزاب سياسية تقليدية أصابها الوهن ولم تعد قادرة على إبداع الحلول التي يحتاجها حل مشاكل المواطنين”، بفعل تداعيات ارتفاع التضخم والارتفاع الملتهب للأسعار وأزمة السكن، وانحسار الأجور وتقلص فرص الشغل.

هكذا، توالت مبادراته داخل الجمعية الوطنية الجمهورية، حيث لجأ في أكثر من مناسبة إلى تقديم ملتمس للرقابة ضد سياسة الحكومة الاشتراكية بالرغم من إدراكه أن هذه الأخيرة تتوفر على الأغلبية المطلقة التي تجعل مآل مثل هذه المبادرات يكون معدوما.

إلى جانب هذه المبادرات، تبنى حزب “شيغا” خطابا سياسيا قويا ضد الحكومة والطبقة السياسية البرتغالية وضد المهاجرين على وجه التحديد، واعدا أنصاره ومؤيديه، بأنه سيعمل في أول ولاية تشريعية يفوز بها على إلغاء قانون الجنسية وإغلاق مكاتب الهجرة والحدود بالشكل الذي لن يسمح لأحد بدخول البرتغال دون أن يكون متحدثا باللغة البرتغالية وم لما بثقافة البلاد.

ولم تقتصر تحركاته على ما هو داخلي بل أصبح يحاول فرض وجوده دوليا كذلك، وهو ما برز جليا عندما حاول جعل لشبونة “عاصمة لليمين العالمي”، حيث أقدم، في خطوة غير مسبوقة في تاريخ البرتغال، على جمع قادة اليمين الشعبوي العالمي في مؤتمر انعقد يومي 13 و14 ماي 2023، الشيء الذي منحه دفعة سياسية ورمزية، وجعله يستأثر باهتمام الرأي العام والناخبين في البرتغال باعتباره حزبا يمينيا متشددا صاعدا في سماء غير معتادة على مثل هذا النوع من الخيارات السياسية.

ويدرك حزب أندريه فانتورا أن هناك أسبابا عديدة تلعب لصالحه وتقوي حظوظه في أن يصبح مرشحا لقيادة البرتغال، منها “موجة” حكم اليمين المتطرف التي تجتاح أوروبا في الوقت الراهن، حيث تمكنت عدة أحزاب يمينية متشددة وشعبوية من أن تحسم السلطة لفائدتها في العديد من الدول، والتراجع الذي تعرفه في الوقت الراهن الأحزاب التقليدية التي ظلت تتناوب على السلطة في العديد من البلدان منذ سنوات.

ولعل السؤال العريض الذي يشغل بال الطبقة السياسية والمهتمين بالشأن السياسي في هذا البلد الإيبيري هو: هل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تجتازها البرتغال في الوقت الراهن وتوالي الأزمات السياسية للحكومة سنة 2023، والتي أدت آخرها إلى حل البرلمان وإعلان تنظيم انتخابات سابقة لأوانها، ستقوي من حظوظ تيار اليمين المتطرف ؟، أم سينجح الاشتراكيون في تجاوز هذا التمرين السياسي الصعب بالعودة إلى السلطة ؟، تساؤل سيجيب عنه الناخبون البرتغاليون، بالتأكيد، من خلال صناديق الاقتراع يوم 10 مارس القادم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد