كلّ هذا البحر بكتْه سمكة للشاعر العراقي اسماعيل الحسيني

من المرّات القليلة ..أجدني أميل إلى قصيدة النثر من قصيدة التفعيلة ..، ثمّة سبب واضح يكمن في أنّ المجموعة النثرية / الشعرية طبعت في بغداد سنة 2021 ..أيّ قبل المجموعة الأخرى بثلاث أعوام واسمها ” فكرة في رأس مقطوع ” ، سيأتي وقتها ونطرحها للسادة القراء ..، أمّا هذه المجموعة التي تشرّفت بقبولها كهدية في مهرجان المربد الأخير المنعقد بالبصرة فعنوانها ” كلّ هذا البحر بكتْه سمكة ” وهي للشاعر المتميّز اسماعيل الحسيني ، والمجموعة متوّجة بالمركز الأول على صعيد العراق بمسابقة دار الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة العراقية …

قلت إنّي خيرت قصيدة النثر على قصيدة التفعيلة وذلك بعد أن تصفحت الكتابين وتوقفت عند عديد القصائد ..ثمّ أنصفت شعريّة النثر وأرجأت المجموعة الثانية إلى موعد آخر..، فقد سحرني التكثيف بأقلّ ما يمكن من المفردات في داخل هذا المتن النثريّ الشعريّ..، أقول ( على مضض ) لأنّ كلّ الشعراء والمتابعين لي يعرفون مدى ميلاني للوزن ولكني أنصاع للشعر دائما ..وهذا ما حصل ..، تذوّقوا هذه القطعة المأخوذة من بين طيّات الكتاب واحكموا لها أو عليها .. والقطعة بعنوان ” آية ” :
” المرأة الجميلة
وحدها قادرة على صناعة الحلوى
في صحن مكسور كالحياة “

ثمّة قصيدة بعنوان ” شجرة من سيرة أبي ” من فرط ما شدّتني وأثّرت فيّ ..، لصفاء وفائها للأصل أيّ للوالد ..، ومن كثرة ما ورد فيها من صور شعرية أخّاذة ..أسوقها كاملة دون نقصان ..، أوّلا مشاركة منّي في الوفاء هذا الأب الطيّب ، وثانيا لأنّها شعر خالص :

” صورته على الجدار
تبدو مرهقة جدّا،
كأنّها تعبت من حمل المنزل،
تقول أمّي :
كان في شبابه يطارد الجدران بالبساتين
ومن شدّة التعب،
يضع أحلامه جانبا عندما ينام،
لكنّه في كلّ مرّة
ينسى أن يطفئ سيجارته،
لتُحرق شيئا من العتمة،
متعبة جدّا هذه الحياة،
لدرجة أنّ أباك كان يملك ثلاث عكّازات
ورجلا واحدة “

 


سيبلغ الأربعين في السنة القادمة …وننتظر منه زبدة النبؤة ..، في ما اشتهاه من شعر موزون أو منثور ..، ودام العراق منجما للشعراء والعباقرة .. ودون أن أتدخّل في النصّ بالقول والتمحيص أو التبجيل أو النقد ، أقدّم لكم مجموعة من القصائد القصيرة لكي تعرفوا أنّكم في حضرة شاعر اسمه اسماعيل الحسيني، فلا شيء يقول الشاعر مثل شعره :
” حتّى ظلّي يحاول أن يخونني معك،
حينما بقيت واقفا ببابك،
بينما هو في الداخل ”
” لست وحيدا،
ولكنّي أعاني من نفاد الآخرين ”
” كما يدخل كلّ ماء النهر
من ثقب صغير في القارب،
يدخل الحبّ ”
” ماذا ستشعر وأنت تزيل الغبار عن نافذتك،
غير أنّ العالم لا يريد أنْ يراك ”
” كلما عاملتُ
الأيام على أنّها حذاء كبيرٌ
أزعجني ذلك المسمار
الذي يسمّونه القدر ”
ختاما على أمل اللقاء معه في المجموعة الأخرى ” فكرة في رأس مقطوع ” ، ليبرهن على معدنه الصافي من كلّ شائبة ..، ننشد معه هذه الأنشودة البريئة بعنوان ” ما تكرّره الدمية وننساه ” ، علما أنّ غادة طفلة فلسطينية استشهدت في قطاع غزة ..( وكم استشهد فلذات أكبادنا …” ، على كلّ أترككم مع هذا النشيج المتواصل ..إلى يوم ينتصرون بإذن الله :
” من العجب،
أنّ غادةَ طفلةٌ في غزة
لم تسمع النشيدَ الوطنيَّ
ولا أغاني “مارسيل خليفة”
ليس لديها غيرُ دميةٍ
مكوّكة للغناء،
عندما رأتِ الأمّهاتِ يدفعْنَ الأولاد
إلى التضحيةِ،
دفعتْ بالدميةِ
لكنّها قبلَ أنْ تعبرَ الشرَكَ
عبرتْ هي الحياةَ
تُرى مَنْ يجرؤ على دفْنِ غادة
وفي يدِها دميةٌ تغني وترقص؟ “

قراءة : محمد الهادي الجزيري

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد