قراءة في زيارة رئيس الحكومة الإسبانية للمغرب.. واستراتيجية المملكة لتدبير الأزمات

بقلم – محمد الشنتوف

قبل فترة ليست بالطويلة كانت العلاقات المغربية الإسبانية على صفيح ساخن، بسبب ما تم وصفه في ذلك الوقت، بالتدخل الإسباني في الشؤون المغربية الداخلية، وازدواجية المواقف الاسبانية تجاه قضية الصحراء المغربية، وهو ما تم رفضه جملة وتفصيلا من السياسية الخارجية للمغرب، بجميع هياكلها المؤسساتية، وهنا نتذكر الجملة الشهيرة لوزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة الذي أكد لإسبانيا أن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، ولا قبول لازدواجية المواقف.

التفاصيل كانت كثيرة في حينها، وأبرزها إدخال زعيم البوليساريو للأراضي الإسبانية بإسم مزور، لكن المغرب تعامل بحزم مع الموضوع، وطالب بشكل واضح وجلي، بتوضيح الموقف الإسباني تجاه القضية المغربية الأولى، بعيدا عن الازدواجية والكيل بمكيالين، وما يحسب للسياسة الاسبانية الخارجية في ذلك الوقت، هو اختيار حكيم لعدم التصعيد ضد المغرب، وتعبير إسبانيا عن احترامها للمغرب، وسعيها السريع لطي صفحة الخلاف، والنظر للمستقبل، وهو ما تم سريعا.

الزيارة الاخيرة لرئيس الحكومة الاسبانية للمغرب، بمعية وفد ديبلوماسي وصحفي كبير ورفيع المستوى، في اول زيارة لدولة إفريقية بعد التعيين الجديد لرئيس الحكومة الإسبانية، كعرف تاريخي اسباني يؤكد على متانة العلاقات الإسبانية المغربية من جهة، ويجعلنا نقف أمام استراتيجية تواصلية وديبلوماسية حكيمة للمغرب في التعامل مع الأزمات، فالمغرب لا يصعد من أجل التصعيد، او ليقول إن المغرب لا يحترم جيرانه او مختلف الدول التي يتعامل معها وفقا للأعراف الديبلوماسية الدولية، وإنما يصعد عندما يكون هناك ضرورة حتمية للتصعيد، وفق استراتيجية تواصلية لا تتخلى عما يمكن أن نسميه” بسياسة اليد الممدودة “، التي دائما ما تبقي مجالا للتواصل والتفاوض لإيجاد الحلول الممكنة لطي الأزمات والنظر للمستقبل، نفس السياسة يعتمدها المغرب منذ سنوات مع الجارة الشرقية الجزائر، وهو ما تم التعبير عنه في أكثر من خطاب ملكي .

هذه الاستراتيجية التواصلية الديبلوماسية في تدبير الازمات، نجدها في عدة مواقف واضحة لأزمات المغرب مع الدول الخارجية،” الجزائر، إسبانيا، وفرنسا والاتحاد الاوروبي “، ومع الدول الأوروبية، نجد فهما وتقديرا لهذه الإستراتيجية التواصلية، ومحاولة من إسبانيا او فرنسا او الاتحاد الاوروبي لإيجاد الحلول الممكنة في إطار الاحترام المتبادل، الدولة الوحيدة التي لم يجد المغرب معها حلا، ولم تفلح هذه السياسة في بلوغ أهدافها معها، هي الجزائر الشقيقة، ببساطة لأن الطرف الثاني” الجزائر “ترفض النظر للمستقبل، ولا زالت حبيسة معطيات تاريخية، من الممكن أن أخطاء وقعت فيها من هذا الطرف او ذاك، لكن هل يجب ان نبقى في الماضي أو تنطلق من الحاضر نحو المستقبل؟، فالمغرب يؤكد أن المصالح الاستراتيجية للمنطقة المغاربية تفرض إصلاح العلاقة مع الجزائر، وان المغرب والجزائر سيكونان أقوى بإتحادهما، وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الثاني، لكن الجزائر، تعبر مرارا وتكرارا عن عدم تقديرها أو فهمها لقيمة سياسة اليد الممدودة وتفضل أن تترك يدها في جيبها عندما يمد المغرب يده للجزائر، او تمدها لأعداء المغرب سواء على الحدود، أو للدول المعادية للمغرب، او في دواليب الامم المتحدة او الاتحاد الافريقي.

إنك كمغربي او كجزائري او حتى لو كنت إسبانيا او فرنسيا، ستجد نفسك مقدرا لهذه الإستراتيجية التواصلية للمغرب، لأنها ببساطة استراتيجية تبحث عن الحلول مع الاحترام التام” للكاريزما والقيمة الاعتبارية لكل دولة ولكل طرف في أي أزمة “، ويكون الحوار والتفاوض والوضوح والشفافية والاحترام المتبادل” مفاتيحها الأساسية، وتدفع الجميع للنظر للمستقبل، فمؤخرا مثلا استقبلت زوجة الرئيس الفرنسي ماكرون وفدا ملكي بتعلميات من الملك محمد السادس، وهو مؤشر على بداية مرحلة نهاية الأزمة مع فرنسا، لأن المصالح المتبادلة تفرض ذلك، لكن مع وضع قواعد واضحة للعمل المشترك، وهي نفس القواعد التي يضعها المغرب في تعامله مع الجميع، وما أعلن عنه رئيس الحكومة الإسبانية في الندوة الصحفية بدار الضيافة بالقصر الملكي بالرباط، يؤكد النضج التواصلي للسياسية الخارجية الاسبانية وتفاعلها الايجابي مع الإرادة السياسية المغريية الخارجية، واستراتيجية المغرب لتدبير الأزمات ، ليكون التعاون عنوانا للمرحلة المقبلة في مختلف المجالات، ومن المؤكد أن هذه السياسة ستعود بالفضل على شعوب المنطقة، في إنتظار أن تفهم أطراف أخرى أن “سياسة اليد الممدودة” لا تعبر عن ضعف المغرب من جهة، ولا تعبر عن عدم احترام المغرب لبقية أطراف أي أزمة من جهة أخرى، وهي أسلوب تواصلي كفيل بإيجاد الحلول السريعة لمختلف الأزمات، والنظر الحكيم للمستقبل الذي تفرض علينا تحدياته ان نكاثف جهودنا جميعا كدول من أجل تعزيز ظروف للعيش الكريم للشعوب أينما كانت.

*صحفي وباحث في الإعلام والتواصل وتدبير الأزمات بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد