رحلة إلى الشاطئ …

حديث الأحد

وأنا جالس أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد هنا في هذا المكان، كان هناك في مكان آخر بعيد من هذا العالم الفسيح، شخص يدعى “محمد”، جالس هو كذلك يتناول قهوته الصباحية، مع فرق بسيط، أنها كانت أبرد قليلا، فهو يضع مشروبه داخل “حافظة السوائل” أو ما يسمى باللهجة “الترموس” …

يجلس “محمد” وبين يديه صورة تجمعه بزوجته “سارة” وولديه “عصام” و “رياض” ، الصورة التي تم التقاطها على شاطئ البحر الصيف الماضي …

يمعن النظر في وجوه أفراد أسرته فردا فردا، ويستحضر اللحظات الجميلة التي كانوا يقضونها معا …

كان “محمد” وأسرته الصغيرة يستغلون العطل، وكل فرصة تتاح لهم لقضاء بعض الوقت معا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الجميل، حيث يستمتع الصغار بالسباحة في مياهه الهادئة والتي تنعدم فيها الأمواج تقريبا، وكأنها مسبح كبير ..

فيجلس محمد وزوجته “سارة” يتناولان ما تيسر من الطعام، ويتجاذبان أطراف الحديث ويحكي كل واحد منها للآخر ما عنده من المستجدات، ويراقبان ولديهما الذين يمرحان ويسبحان بكل سعادة، وفي آخر النهار قبيل المغرب بقليل يحزمان المتاع ويعود الجميع للبيت، وفي ذلك اليوم بالتحديد الذي أُخِذَت في هذه الصورة التي بين يديه الآن، كانت أسرة “محمد” تستعد للرحيل، فاقترب منهم مصور شاب وعرض عليهم أخذ صورة عائلية لهم مع منظر الغروب الجميل، وهذا الشاب المصور مزال يحافظ على هذا التقليد القديم، حيث يصور الناس في الشوارع أو الحدائق العامة وعلى الشواطئ …
تردد “محمد” قليلا في الموافقة، وبعد إلحاح وطلب من زوجته أولاده قرر قبول عرض الشاب وأخذ الصورة لتخليد اللحظة …

ولحسن الحظ فعل … !

وبينما هو غارق في ذكرياته الجميلة، سيصدر صوت من جهاز الاتصال المثبت على الجدار أمامه …

إلى المقاتل م 210 … !
إلى المقاتل م 210 … !

دبابة ميركافا على بعد 100 متر و 45 درجة شرق نقطة تواجدك، إنطلق في الحفظ والسلامة …

سينتفض “محمد” من مكانه داخل النفق، من المكان الذي كان يرابض به منذ أسبوعين في انتظار أقتراب آليات جيش الاحتلال الى النقطة التي يتواجد تحتها النفق …
سيحمل سلاحه على عجل ويتوجه صوب فتحة النفق، سينظر نظرة أخيرة للصورة التي بين يديه، صورته هو وأولاده على شاطئ بحر القطاع، الصورة التي كان ينظر إليها طيلة هذه الأيام وتذكره باللحظات السعيدة التي كان يقضيها مع أولاده وزوجته ..

سيدخل الصورة في جيب سترته الداخلي، وينطلق خارج النفق صوب سطح الأرض، وبخطوات سريعة سينقض على دبابة المحتل، يضع على جدارها عبوة ناسفة، فتنفجر آلية المحتل، وينفجر كل ما، وكل
من داخلها، وفي طريق رجوعه لباب النفق، يصدر دوي رصاصة قناص …

يسود صمت رهيب الأفق … !

رصاصة القناص أصابت “محمد” في الظهر وهو راجع إلى فتحة النفق …

تغادر روحه صوب الملكوت الأعلى إلى جوار أرواح زوجته وأولاده الذين فقدهم في أول أيام عدوان المحتل على القطاع، بقصف على مبنى سكني كان يأويهم …
وفي طريقها إلى السماء، تخترق روح “محمد” الكثير من الأرواح، أرواح أعدائه من عسكر الاحتلال …

وإلى الأسبوع المقبل.

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد