بركاتك يا سيدنا الشيخ …

حديث الأحد.

(أحداث هذه القصة من وحي الخيال، وأي تطابق بينها وبين الواقع هو من قبيل الصدفة)

وأنا أحتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد، سَتَمُر من أمامي كوكبة من النساء ذاهبات لزيارة عيادة “سيدنا الشيخ” …

و”سيدنا الشيخ” هذا مقره الرسمي في المدينة القديمة، وكل يوم أَحَدْ يستقبل فيه مرضاه أو زواره بمعنى أدق، وباقي أيام الأسبوع يتجول على مقراته الفرعية بمدن أخرى …

يتوافد الخلق على هذا المكان منذ الساعة السادسة صباحا لأخذ الدور، فيحتشد المئات من جميع الأعمار والأجناس والطبقات الاجتماعية، وأغلبهم من محدودي الدخل، وتمتلئ الأزقة حوالي المقر، بالإضافة إلى من هم أصلا مكدسين داخله، وزوار “سيدنا الشيخ” يعانون من جميع أنواع الأمراض الجسدية والنفسية البسيطة، وكذا الأمراض الأشد خطورة، كالسرطانات وأمراض السكري، والقلب، والعقم، والبرص، والصمم، والسل والتيفويد … ومن منكم يزور الأسواق الأسبوعية ربما كلامنا هذا يذكره بكلام وصوت باعة الأدوية الفلاحية في الميكرفون المشروخ :

عندنا دواء القميلة …
عندنا دواء البرغوث …
عندنا دواء الفيران ….
عندنا دواء الجراد والناموس …

وبطبيعة الحال معالجنا البركة يعالج كذلك كل الاضطرابات النفسية وبجميع أنواعها وأشكالها …

وحتى من عنده أو عندها، مشاكل اجتماعية، من رغبة في الزواج، أو رغبة في عدم الطلاق، وفتح القلوب وأغلاقها، أو نيل درجات النجاح والغنى والتوفيق، فسيجد هذه الخدمات التكميلية في عيادة “سيدنا الشيخ” …

صاحبنا هذا تاريخه غير معروف، وهو غريب عن المدينة، وتقول “الأسطورة” أنه قَدِمَ إلى المدينة منذ سنوات طوال، وكان عاطلا عن العمل ولا تكوين عنده في أي مجال، وكان يتنقل من عمل بسيط لآخر، وفي أحد الأيام بينما كان يشتغل نادلا في أحد المقاهي، سقط أرضا أحد الزبناء وهو يتناول طعام الإفطار بعدما اختنق من أكل البيض، وأسرع إليه صاحبنا وبحركة سريعة ساعده على إخراج قطعة البيض التي سدت حلقه وتسببت له في هذه الحالة، وبعدها ذاع صيته في المدينة واعتبرته الناس منقدا وبطلا، وتطور الأمر إلى أن تم تتويجه معالجا صاحب بركة …

وبعض الكارهين “الحاسدين” له يَدَّعُون أنه من أصحاب السوابق، وأنه كان يقضي عقوبة سجنية بتهمة النصب والاحتيال، وبعد خروجه من المعتقل هاجر من مدينته إلى هذا المكان الذي لا يعرفه فيه أحد …

وصل “المعالج صاحب البركة” لمقره هذا اليوم متأخرا كما هي عادته، بعد أن تَعِبَ من تَعِبَ، ومَلَّ من مَلَّ، فتقاطر الخلق لاستقباله ولمس جسده “المبارك” أو على الأقل لمس لباسه من بعيد، لربما يحضون بجرعة من العلاج في انتظار الدور والدخول عليه …

بدأ مساعدوه بإدخال الزوار أو المرضى بالدور عليه، وكل واحد يدفع تكلفة الزيارة مسبقا، والأثمنة تختلف بحسب الحالة المرضية، فتبدأ من مئة أو مئتين وقد تصل إلى ألوف الدراهم، وزمن الزيارة لا تتعدى بضع دقائق لكثرة الزوار …

وللمقر مدخل آخر ثانوي، يقال انه مخصص لبعض كبار الزوار من الأغنياء والمشاهير الذين يطلبون خدمات “المعالج المبارك” بدون أن ترمقهم أعين المتطفلين والفضوليين … وهؤلاء عندهم سكرتير خاص وأثمنة خاصة … واستقبالهم يتم في مكتب خاص، فاخر التجهيز، تقدم فيه للزوار الVIP أصناف الحلوى والمشروبات، وتفوح منه رائحة البخور الغالي الثمن المستورد، بمقابل باقي مرافق عيادة “سيدنا البركة” التي تفوح منها رائحة بخور من عند عطار الحي … !

ستنتهي الزيارات في وقت جد متأخر …

ويستقل “سيدنا الشيخ” سيارته من نوع “بنتلي” آخر موديل والتي اشتراها مؤخرا ومباشرة من الشركة المصنعة في “المملكة المتحدة البريطانية” وأرسلوها له من هناك عبر طائرة خاصة … !

وهذه كذلك من الأمور التي يعيبها حساد “الشيخ البركة” عليه، يقولون أنه يعيش في ترف ما بعده ترف، من أموال يجنيها بطريقة مشبوهة … !

وهكذا غالبا يكون كلام أعداء النجاح … سامحهم الله !

تنطلق السيارة عبر حواري وأزقة المدينة القديمة، والسائق كما هي عادته يسوق بحذر لكي لا يلمس أي شيء السيارة فيخدش الطلاء، فيضطر لتحمل أسبوع كامل من الشتائم على لسان “سيدنا الشيخ” …

أسرع يا بني فلقد تأخرنا كثيرا على الطائرة قال “الشيخ” لسائقه الحذر … ! فالرحلات الدولية من شروطها القدوم للمطار ساعتين على الأقل قبل الوقت، وموعد الرحلة الوحيد إلى “فرانكفورت” بألمانيا يكون بالليل، وموعدي مع الطبيب في المستشفى على الساعة الثامنة والنصف صباحا لعمل كشف على حالتي الصحية فأنا لست على ما يرام، ولا يجب أن أتاخر عن الموعد دقيقة واحدة، فهؤلاء قوم يلتزمون بالمواعيد ولا يحبون التأخير …

وإلى الاسبوع المقبل.

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد