انتحار الأطفال ظاهرة طارئة تهدد المجتمع المغربي في صمت

يعد الانتحار السبب الثاني للوفاة بين فئة الأطفال والشباب وذلك وفقا للتقرير الأخير لمنظمة الصحة العالمية، وذلك راجع إلى عوامل نفسية واجتماعية وأسرية، حيث عرف المجتمع المغربي خلال السنوات الأخيرة انتشار ظاهرة انتحار الأطفال لأسباب متعددة لكن أغلبها ظلت مجهولة.

ولعله من أشهر حالات انتحار الأطفال بالمغرب، حالة الطفل البالغ من العمر 9 سنوات، حيث أقدم على شنق نفسه أثناء غياب والديه عن المنزل ، واللذان رجحا السبب وراء ذلك إلى تأثره بمسلسل تركي بتقليده لأحد شخصياته، وبالطريقة ذاتها انتحر طفل آخر بمدينة فاس  تاركا وراءه رسالة “راني تقهرت وعييت وسبابي هي مرت با وبغيت نتدفن حدا مي”، بحيث ان زوجة أبيه كانت تعرضه للمعاملة السيئة وذلك حسب ما أكده الجيران.

نورة شكري: انتحار الأطفال راجع إلى الأزمات الحادة في التواصل الأسري

وعلاقة بالموضوع كشفت الدكتورة نورة شكري، استشارية نفسية تربوية وأسرية على أن ظاهرة الانتحار تكاثرت بالمجتمعات العربية، وذلك راجع  إلى التهميش وارتفاع نسبة الفقر وانهيار العائلة.

وأضافت شكري على أن هذا التحول السريع في ظروف الحياة يعجز الطفل الصغير عن تحمله ويستسلم لمصيره المحتوم، غير أن الأسر الميسورة لم تسلم  أيضا هي الأخرى من انتحار أبنائها وذلك نتيجة الأزمات الحادة في التواصل الأسري.

وأكدت نورة شكري على أن الأمراض النفسية والجسدية المزمنة التي لا يقوى جسد الطفل على تحملها تساهم أيضا في إقدام الطفل على الانتحار، بالإضافة إلى المواقع الالكترونية التي تسببت في انتحار  عدد كبير من الأطفال  كموقع “الحوت الأزرق” و”لعبة مريم”، وهذا ما يكشف عن غياب الرقابة الأسرية.

حمزة الناصري: الضغوطات النفسية تولد للطفل أفكارا انتحارية

أكد الباحث في علم النفس حمزة الناصري على أن أسباب إقدام الأطفال على الانتحار راجعة إلى عاملين أساسيين ، اما حالات اكتئاب قصيرة المدى وإما ضغوطات نفسية صعبة يمكنها أن تجعله يقدم على الانتحار، حيث تنقسم هذه الضغوطات إلى قسمين، أولا المحيط الخارجي للطفل في المدرسة أو المحيط الذي يعيش بداخله والقسم الثاني هو الأسرة.

وكشف حمزة الناصرى على أن الطفل إذا لم يتلقى في السن ما بين 3 سنوات و 10 سنوات الكفاءات اللازمة للتواصل الاجتماعي  من قبل والديه فإن القدرة التواصلية مع الآخرين ستضطرب بشكل كبير، الشيء الذي سيجعله يتعرض للضغوطات من قبل أصدقائه ولن يفرض نفسه داخل المدرسة في تلك الحالة، مما سيجعل فكرة الإنتحار بداخله سهلة، خاصة وأنه لا يمتلك المقومات الكبرى التي ستمنعه .

أما فيما يخص الضغوطات النفسية المتعلقة بالأسرة فيضيف الباحث في علم النفس على أن  الإهمال العاطفي للطفل يلعب دورا كبيرا في تفاقم المشكل خاصة إذا كان مطالبا من قبل والديه بأن يكون شخصا مثاليا وخلوقا ومنضبطا الشيء الذي يجعل  الطفل يفكر وكأنه مجرد سلعة مما يخلق لديه نوعا من الانفصام النفسي الذي يؤدي به إلى العزلة وتبني مجموعة من الافكار السوداوية من بينها الانتحار .

وأفاد حمزة الناصري بأن المشاكل النفسية التي تدفع بالطفل إلى الاقدام على الانتحار وهي متعددة منها طلاق الوالدين و التحرش الجنسي .

جواد مبروكي:  من الصعب التحدث عن الانتحار عند الطفل لأن ظروفه تختلف كثيرا عن ظروف الراشد 

وفي تصريح للمصدر ميديا كشف الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي جواد مبروكي على أنه لا يمكن للطفل تصور الموت كظاهرة  لا رجعة فيها قبل 7 سنوات. في فرنسا، يُقتل ما بين 30 إلى 100 طفل كل عام، لكن من المحتمل أن يكون عدد كبير من الحوادث نظائر انتحارية. وبالتالي من الصعب التحدث عن الانتحار عند الطفل لأن ظروفه تختلف كثيرا عن ظروف الراشد لتصميم الانتحار، لذلك من الصعب أن نقول إن عدد الانتحار في تزايد، وربما يكون هذا انطباعًا بعد كمية منشورات حالات الانتحار في وسائل الإعلام والحديث عنها كثيرًا.

وأضاف جواد مبروكي على أنه عند الطفل نتحدث عن “قتل نفسه” وليس “الانتحار” من خلال تصرفه بشكل متهور دون أي تقييم للمخاطر الحقيقية مثل فقدان حياته لأنه ليس لديه القدرات الذهنية الكافية لإدراك حقيقة الانتحار. كما يرى في الموت، حلا لمشاكله المدرسية أو العائلية أو العاطفية.

وقال مبروكي: “من الصعب علينا كأخصائيين أن نتخيل أن انتحار الأطفال هو عمل متعمد. في السياق نفسه أيضًا، يمكن للطفل أن يقتل نفسه من خلال حادثة تقليد لبطله أو لأحد أفراد عائلته مات منتحرا على سبيل المثال. كما تدخل هذه الحادثة في خانة اللعب والمغامرة والتهور”.

أما فيما يخص الأعراض التي تدل على إقدام الطفل على الانتحار فكشف الخبير على أنه لا توجد دراسات كثيرة  وجدية لتقييم المخاطر، مع العلم أن الطفل لا يتمتع بنضج فكري وعاطفي كاف للتعبير عن آلامه والاكتئاب الذي يعاني منه على سبيل المثال. ويصعب الأمر بكثير لأن حالة وفاة الطفل تحدث غالبًا بطريقة متهورة وغير مدركة.

الحديث عن الانتحار مع الأطفال وكيفية الوقاية منه

الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي جواد مبروكي : “نعرف أن الأطفال، من خلال المواقع الاجتماعية، يهتمون بهذه الظاهرة التي ما تزال غامضة بالنسبة إليهم، مع العلم أن الطفل ينجذب إلى سرِّ كل شيء”.

ويضيف جواد مبروكي: “إذا تحدث الأهل عن الانتحار كاختفاء نهائي، يجب إخبار الطفل بأن هذا عملا يسبب الحزن للوالدين. وكيف ما كان نوع مشاكله، يجب إخبار الوالدين لأنهم قادرون على حلها والاستمرار في العيش جميعا لأن الآباء يحبون أبناءهم ومن دورهم القيام بحمايتهم. ولا داعي للتخويف والتهديد مثل “الحرام” و”جهنم””.

وكشف مبروكي أنه ولكي يعبر الطفل أو المراهق عن معاناته والتفكير في الموت أو الانتحار، يجب على الآباء أن يقتربوا كثيرا من أطفالهم مع قضاء الوقت الكافي معهم واللعب معهم كثيرًا. كما يجب أن نعبر لهم عن حبنا المطلق وأن نكون حاضرين حقًا في حياتهم. يجب أيضا أن نهتم بعالمهم، وأصدقائهم، ومشاكلهم مع رفاقهم. غالبا ما يستخف الآباء بمشاكل الطفل في حياته وعلاقاته مع الأطفال الآخرين “لعب الدّْراري”، علما أن كل فرد منا يعاني من مشاكله وفقًا لعمره وكلنا نعيشها بألم يختلف من شخص إلى آخر. مع الأسف الشديد، لا يعتبر الآباء حزن وألم الطفل بعد خلاف مع أصدقائه على سبيل المثال، وهذا خطأ كبير.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد