الخطوة القادمة

في 12 يـونيو 1984 اتخذ المغرب قرارا تاريخيا كبيرا بخروجه من منظمة الوحـدة الإفـريقيـة.

قرار استلزم جرأة كبيرة، جسدها الملك الحسن الثاني، الذي عرف عنه شجاعته في اتخاد القرارات كيفما كانت.

اليوم وبعد مضي اثنين وثلاثين عاما، يعود المغرب بقرار شجاع أيضا، الى بيته الكبير، حضن افريقيا، التي لطالما كان المغرب من المدافعين الكبار عن مصالحها. يعود المغرب الى مكانه الطبيعي، حيث عمقه الافريقي ومكونه الهوياتي الحيوي، يعود المغرب ملكا وشعبا الى افريقيا التي لم تندمل جراحاتها بعد.

يمكن القول بوثوق عال بأن الديبلوماسية الملكية كانت لوحدها الفاعل الحقيقي في غياب شبه تام لباقي الفاعلين، الذين يراكمون الخسارة تلو الخسارة في تدبير الشأن الحزبي.

اليوم ونحن نخطو بثبات نحو مكاننا الطبيعي وسط افريقيا وزعمائها الذين أثبتوا وقوفهم إلى جانب المغرب، علينا أن نفتح نقاشا حقيقيا وعميقا حول ديبلوماسيتنا والخلل الذي استشرى في أوصالها منذ أمد، وجعلها متأخرة عن اتخاد القرارات المناسبة في الأوقات المناسبة. لابد من الاعتراف أن لدينا نقصا كبيرا في الديبلوماسية والديبلوماسية الموازية.

ان العودة التاريخية الى البيت الافريقي، تستوجب التفكير بجرأة اكبر في الخطوة القادمة، التي ينبغي ان تكون مفتوحة بالضرورة على ورش الاصلاح الديبلوماسي، ما يفرض اعادة بناء العمل الديبلوماسي وتغيير قناصله وسفرائه وباقي اجهزته، من اجل توفير أطقم قادرة على الترافع دفاعا عن قضايا الوطن، وفي مقدمتها قضية الصحراء.

انه ليحز في النفس كثيرا ان نحل ضيوفا على مؤتمرات دولية في مجالات الثقافة والاعلام خارج الوطن، ونجد كل سفراء العالم حاضرين ومحتفين بممثلي بلدانهم، الا سفراءنا المغاربة.

وانه ليحز في النفس ان يزور سفير دولة أوروبية جامعة مغربية، وفي الآن ذاته يقترح على ذات الجامعة شراء لوحات لفنان مشهور في بلده، فالسفير اياه انتقل الى الديبلوماسية الفنية والثقافية ايضا، فهل نجد هكذا تصرف في حيوات ويوميات دبلوماسيينا؟.

لطالما تحدثنا عن ضرورة وجود ديبلوماسية قوية ومشرفة، تكون مرآة حقيقية تعكس وعي المغاربة وانخراطهم في مسلسل حقوقي، سياسي واجتماعي ناجع. بدل ديبلوماسية الفلكلور والصالونات المغلقة، التي جعلتنا نحصد الخيبات والهزائم المتوالية..الدبلوماسيين المغاربة في حاجة كبيرة إلى مزايا ماكس فيبر الثلاثة والتي اكد انها تصنع رجال السياسة : الرغبة -روح المسؤولية – الرؤية.

إذن لابد من التأكيد على ان وجود مجتمع مدني قوي إلى جانب تمثيلية قوية ووطنية وفاعلة، على مستوى السفارات، من شأنه أن يمثل عودة موفقة وناجحة للمغرب في المحافل الدولية عموما والافريقية على وجه الخصوص.

من جهة ثانة يجب التأكيد على أن هناك آليات إقليمية تعمل على حماية حقوق الانسان في القارة الافريقية من خلال مراعاة الاعتبارات الإقليمية الجغرافية والتاريخية، مثلا الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب، والمحكمة الافريقية لحقوق الانسان والشعوب الى غير ذلك من الروابط القانونية والحقوقية التي تجمع دول افريقيا، والتي تظل راكدة وجامدة وحبرا على ورق.

هل سيتمكن المغرب مثلا من تحريك هذه المياه الراكدة، وفتح هذه الملفات خصوصا وأننا قد قطعنا أشواطا كبيرة في مجال حقوق الانسان من خلال العدالة الانتقالية؟.

لابد للمغرب من استغلال الوعي الحقوقي الكبير الذي حصل فيه طيلة هذه السنوات، لكي يكون رجوعه قويا ومؤثرا.

وختاما إن الرجوع إلى الاتحاد الإفريقي لن يكون سهلا ولا مفروشا بالورود، لأن المتململين من هذه العودة لن يدخروا جهدا في خلق أجواء المشاحنات والمواجهات والاستفزازت…فإلى أي مدى استعد المغرب لما هو مقبل عليه؟

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد