أزهار تقلّدني في السقوط للشاعرة علية الادريسي

قراءة : محمد الهادي الجزيري

كم تخفي الوجوه الطيبة التي اعتدنا عليها من أسرار وغياهب داخلية..، كم تحجب عنّا من نصوص قصيرة وطويلة ..، ما إن نفتح كتابا يخصها حتّى نكتشف كائنا آخر ..، وإن بدا لنا مبتسما هادئا ووديعا ..، ذاك ما أخفته عنّي الشاعرة المتميّزة المغربية عليّة الإدريسي بصداقتها المنشرحة الودودة ..حتّى أوغلت في ديوانها الأخير المُعنون : ” أزهار تقلّدني في السقوط ” .

أستهلّ قراءتي بقصيدة أولى ” ظلال تخصني ” ففيها اكتشاف أوّلي لي لهذه الوردة البهية المتفتحة على الدنيا ..، أتابع اللقلق الوحيد في سماء المحطة ..وأسأل أحقّا لا يمرّ بها هذه الشاعرة ساعي البريد ..؟ أحقّا لا تجد رسالة أو زهرة خلف الباب …؟، أحقّا ما تكتبه عن بلادة السرير وحياد الغرفة والتمثال الذي يحدّق فيها بشماتة ..؟، هذا كثير عليها ..خاصة أنّني أعرف أنّها صادقة مثل وجهها الضحوك ..تلك هي الحياة ..

“…لَيْسَ غَرِيبَا
اللَّقْلَق الَّذِي رَأَيْتَهُ
فِي مَحَطَّة الْقِطَار وَحِيدًا
يُشْبِه أَيَّامِي الَّتِي بَعْثَرْتهَا
مُذْ كَانَ قَلْبِي مِظَلَّة
عَلَيهَا يَمُر سَاعِي الْبَريدِ
وَلَا رِسَالَة
خَلْفَ الْبَاب…”

ما دخلك أنت في الموت؟ نعم ما شأنك عن عالم الغياب ..؟، لك أن تسألي عن ذلك الكريه مرّة واحدة ..أمّا أن تلحّي في السؤال وأن تعيدي ذلك أكثر من مرّة بل مرات ، ففي مواضع أقرأ : من أين يأتي الموت؟
أنا لم أمت ؟
“لَيْسَ مَعي مَوْت آخر
لأُهْدِيهِ لَكَ ”
” كمن يفوته موت أركض ”
وغيرها من عناوين قصائد وجمل منثورة داخل النص ..، تجعلني أهيب بك أن تكتبي عن الحياة ..فمازلت بعد صلبة عن أنياب الموت ..، أكتبي وانتصري لكلّ شيء ينبض ويخفق ويصفّق ويتحرّك ..لا ألومك في الكتابة عن الغياب ..بل أحرضك على الانتصار للحياة:
” أَيْنك ؟
هَا أَنَا رَتَّبَت الْمزْهِرِيَّة
هُنَاكَ الْكَثِير لِتَخْسرهُ
فقط .. التفت
أَيّهَا الْمَوْت..”

” عندما أشبه جدتي ” نعم هكذا تكونين علية الإدريسي ..التي تحبّ أمّها كثيرا وجاهدت كي تعود إلى الحياة ..، هكذا تساهمين في ربط الأجيال بعقد أثيري ..فيه الكثير من المودة والإخاء ..، لقد وجدت نفسي في هذه القصيدة ..وعشت معك بل معي ..مع جدّتي وأبي وأمّي ..، أحسنت في اقتناص هذه اللحظة وكتابتها :

” فِي يَدي
سَأَضَعُ ضَوْء الْغُرْفَة
أُغْلِقُ بَاب الْعَالَم
وَأَنَام
لَنْ أَحْتَاجَ شَيْئًا آخر
فِي سَرِيرِهَا أَبِي الَّذِي أَوْجَدَنِي
فِي وَسَادَتِهَا دَمَعْتِي الَّتِي تَنْتَظِرُنِي
كُلَّ مَسَاء
إِلَى شَعْري تُعِيدُ يَدهَا
تَمْسَحُ وَجْهي
تُسَلِّمُ عَلَى قلبي
وَتَبْتَسِمُ ”

نختم هذه الاطلالة الخاطفة لمجموعة ” أزهار تقلّدني في السقوط ” بمقطع من مقالة نقدية للأديبة التونسية النشطة فاطمة بن محمود ..، تتطرّق فيه للشاعرة وللشعر المغربي ككلّ لا يتجزأ ..ويشهد تنوّعا فريدا :
” هذا الديوان الأخير للشاعرة المغربية عُلية الإدريسي يأتي في مرحلة مهمة تشهد تعددا في الأصوات الشعرية المغربية واختلافها، غير أن المشهد الشعري المغربي يبدو أنه غير مهتم بما يروّج الآن لمقولة أن الشعر العربي قد انحسر مقابل تمدد الراوية، المشهد الشعري المغربي فهو في كل مرة يكشف عن تنوع في أصوات الشعراء واختلافهم ليؤكد أنه مشهد ثري، هذا ما يجعل من الشاعرة عُلية الإدريسي في تحد كبير، هل تنجح في أن يكون لها صوتها الشعري المختلف وتنحت تجربة مميزة؟ ”

نسيت أن أبصم مع عليّة الإدريسي على كلامها الأخير ..
لأنّني سأفعل مثلها إن فكّرت في الكتابة عنه ..،:
” بِطَرِيقَةٍ مُحْرَجَة
أَنظر إِلَى الْمَوْت
مند أَنْ حَلَّ الْعِيد
لا أُرِيدُ أَنْ أَبْتَسِم
أَنَا لَسْتُ تُفَّاحَة
سَألَتهم يَدي الَّتِي تَفَكر
فِي الْكِتَابَة إلْيك “.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد