هل نحن بحاجة للفنون المرئية او اللا مرئية؟

كتبته:  هالة الهذيلي

أي نوع من الفنون التي نمررها في مناهج تدريس طلبة المعاهد العليا للفنون الجميلة اليوم؟ كيف يصنع الطالب سياقات إبداعية في إطار المشغولية والانفتاح على المحيط الاجتماعي والذود لفرص أقرب للعالمية؟ في مدارات التجريب الراهنة تتعدد اشكال التعابير الفنية وتتشابك وتتقاطع لرسم خارطة طريق منفتحة على مساقات مختلفة من شاتها ان تحدد ملامح الهوية البصرية الفنية بتونس تحديدا.

وإثر المتحولات السياسية والتغييرات الاجتماعية مزامنة مع الثورة التونسية، تجددت فرص الفنان والباحث والأكاديمي في مجالات الفنون ليدخل في مغامرة تعبيرية راهنة تراوحت بين الظاهرة والتأسيس لنوعية فنية ملتزمة أساسها التغيير وحرية التعبير.  في هذا السياق تنوعت الملتقيات الفنية وتعددت المؤتمرات وتكاثر عدد المعارض والصالونات وازدهرت أروقة المعارض والجاليري هات بتونس العاصمة خاصة، وبكل الولايات عامة في إطار العدالة الثقافية بين الجهات. ولا ننسي كذلك عدد متخرجي الفنون من المعاهد العليا للفنون والحرف والفنون الجميلة، ليتضخم بدوره عدد الدكاترة المتخرجين في مجالات ممارسات الفنون ونظريات الفن وعلوم وتقنيات الفنون.

لقد عملت كل هذه الوضعيات في تنوع المجالات البحثية والنوعية للفنون بتونس ليذهب عدة من الباحثين للاشتغال في مجالات ذات علاقة وطيدة باليومي والهوية والممارسات الذاتية التي تعددت بين التصوير والرسم والنحت والتنصيب والعرض القياسي والحفر والتجارب المتعددة الاختصاصات. هذا الزخم المتولد في النتاجات الفنية والأكاديمية يفتح سبل البحث في رهانات هذه الممارسات ومدى الجدوى منها ومدى تطويعها كمنتج فكري ابداعي في المحيط الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في حدّ ذاته. فهل ينتج الفنان اليوم، سواء كان أكاديميا او عصاميا وباحثاـ نتاجات تعبيرية في الفنون المرئية لكي يستثمرها ضمن سوق الفن؟ هل يعيش الفنان من فنه؟  هل يستمر الفنان او الأكاديمي في الإنتاج على مدار رحلته التجريبية ام انها مسالة موسمية؟.

انها لمحة مقتضبة حول الإمكانات التي نتباحث في خاصياتها ضمن أسس البناء التشكيلي للفنون المرئية الراهنة وارتباطها الوثيق بالمتطورات العالمية، ونقف اليوم امام لحظة مكاشفة مغايرة ضمن مشروع توأمة فكرية اكاديمية بين تونس وفرنسا يطرح فيها السؤال في ماهية الفنون اللامرئية ومشروعية نشرها كمسلمة تعبيرية في المجتمعات المحلية في إطار توسعة محيط تفاعلية وتشاركية الفنان مع محيطه.  يقتضي المشروع بدوره فتح خطة تدريس اكاديمية في رحاب المعهد العالي للفنون الجميلة التابع لجامعة سوسة من تونس ضمن مسمى ماجيستير مهني في الفنون اللامرئية. فماهي أسس الفكر الجديد في عوالم الطرح اللا مرئي؟.

وإذا سلمنا بان الفنون لا تخضع لثبات واحد وتنمو وفق مبدأ التغيير والتجديد فان مسالة الاستباق الريادي في تأسيس الفن الجديد، الفن اللامرئي هو في ذاته حواضر يتباحث في محتواها ومفاهيمها زمرة من المفكرين والمنظرين والفنانين ليكون الإقرار بان الراهن فيه نسج بين ما يمكن ان نسلم به في دلالات الفنون المرئية وما يمكننا ان نعيد صياغة مفهومه وقراءة المصطلح والمعنى والجدوى من الفن اللامرئي، وبتونس تحديد؟ هل اللامرئي ذو جدوى وضرورة أكثر من المرئي في تونس اليوم؟ كيف تم اختيار تونس ومدينة سوسة كحاضنة ريادية استباقية ومنها سيشع مفهوم اللامرئي ينسخته الاروبية؟  كيف سيسوق لبينالي باريس في نسخته التونسية؟ ماذا سيقدم الفن المربك في تسميته لتاريخ منوط بالزخم والريادة وال تجديد في مساقات الفنون المرئية ضمن رهانات المعاصرة العالمية؟

اختلفت النقاشات حول المفهوم الخاص للفن اللامرئي وتعددت الطروحات المساندة والمفندة لهذا الصنف الفني، باعتباره مجالا فيه الكثير من الضبابية والاغواءات التعبيرية في مستقبل الفنون الراهنة. وفي هذا المجال اجتمع ثلة من الساهرين على هذا المشروع الأكاديمي الفني وعلى راسهم ألكسندر قيريتا من فرنسا وفاتن شوية ومحمد بلقايد وأساتذة المعهد من تونس لتدريس الفنون اللامرئية كاختصاص بحثي في ماجيستير مهني بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، للتباحث في ضرورة تغيير الوعي الجمعي بالفنون وترسيخ مبدا التشاركية بين أصناف المجتمع الواحد. بذلك يضمن الطالب المتخرج في هذا المجال ان يكون دائرة تشغيلية تخرج من حدود بيع منتج فني فقط، والبحث عن طرق تسويقية مغايرة تقضي باعتبار أي إضافة نوعية هي في حد ذاتها تدخل فني…
سيكشف الغد ولادة توجهات مستحدثة من الفنون اللامرئية لنطرح الاستفهامات المتعددة والمستديمة عن مدى صلاحية هذه النوعية البحثية واي تأثيرات غربية سيحمله هذا المشروع الأكاديمي؟ هل ان البيئة المحلية هي الأنسب لتركيز هذه الماجيستير المهنية في الفنون اللامرئية بسوسة؟ هل ستفتح هذه الفرصة اشرعة التبادل الفني والعلمي والتعبيري بين البلدين لتنفتح الحدود والحواجز ويرتقي الفن اللامرئي لجواز عبور ؟

 

هالة الهذيلي
دكتورة في علوم وتقنيات الفنون وأستاذة جامعية بجامعة سوسة

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد