عندما يدق الخازوق بابك فجأة!

الكاتب- أسامة عبد الرحيم

كان ابن الجوزي رحمه الله يدون افكاره وخواطره في وريقات يعيدها الى جيب الجلابية في نهاية النهار، فلما تضخمت الوريقات وكانت أكثر من أن يتم اهمالها وتجاهل ما بها من عصير فكري وزبدة الحياة، تعهدها بالتنسيق والتنقيح والترتيب واخرج من رحم الوريقات كتابه الماتع صيد الخاطر.

وعلى طريقة عمنا ابن الجوزي – ألف رحمة ونور تهطل على قبره العامر- كتبت تدوينه على صفحتي بموقع الفيس بوك، ألف صفعة وحذاء تهطل على رأس مؤسسه مارك روزنبرج العنصري، وذكرت – جزاني الله خيراً- أنني أثبتت بما لا يدع مجالا للشك بحسب دراسة أنجزتها وانا أحتسي فنجان قهوة محوجه أعددتها بنفسي أن ٩٩% من الذين قدموا السبت داهمهم الخازوق المتين يوم الأحد.
وهطلت تعليقات الأصدقاء كالمطر لعناً في الخوازيق التي لا ترقب في المخزوق إلا ولا ذمة، وهالني كم الخوازيق التي اصابت اصدقائي الفيسبوكيين، حتى انه لم يكن بأجسادهم شبر واحد إلا وفيه ضربة بخازوق أو رمية بآخر أو طعنة بخازوق مدبب وقاعدته أعرض من سواحل إفريقيا التي تطل على المحيط.
والسؤال الذي يطرق باب المنطق هل تصدق فيما لو قال لك أحد إن الخوازيق لها إيجابيات كبيرة؟، أغلب الظن أنك ستكذبني ولن تصدق وتعتقد أنني لا سمح الله أسخر من خازوقك المحترم، لكن دراسات علمية جديدة تظهر بين الفينة والأخرى تؤكد أنني على حق.
من هذه الدراسة واحدة أجرتها جامعة أكسفورد بالتعاون مع جامعة نيو ساوث وايلز على مدى عشر سنوات، جاء فيها أن الخازوق ليس له أي تأثير سلبي مباشر على صحتنا الجسدية والنفسية، وبأن القرارات التي نتخذها تحت وطأة الشعور بحرارة وصدمة الخازوق هي التي تتأثر ومن تم تؤثر علينا.
الدراسة التي نشرت في “ذي لانسيت” أجريت على 720.000 متخزوق وتتبعت تطورهم منذ عام 1996، وكانت نتيجتها أن الخازوق لا يؤثر على الشخص بشكل مباشر، بينما الطريقة التي يتم تعامل الشخص بها مع الخازوق هي التي تؤثر إما سلبا أو إيجابا.
وهناك دراسات أخرى تؤكد أن الخوازيق يمكن أن تكون إيجابية، منها دراسة قامت بها جامعة “بيركلي” بكاليفورنيا أفادت بأن نسبة معقولة من التوتر تحسن الذاكرة والقدرة على التركيز، بينما جاء في دراسة أخرى أنها تقوي جهاز المناعة وتحمي من بعض الأمراض، مثل الزكام لأن الخوازيق تجعل جهاز المناعة يعمل أكثر تحسبا لأي هجمات فيروسية أو بكتيرية.
فضلا عن هذا فإنها يمكن أن تكون حافزا على تغيير أسلوب حياة الشخص وتحسينها حسبما جاء في كتاب “ذي أبسايد أوف ستريس” للدكتورة كيري ماكونيجال، من جامعة ستانفورد.
تقول كيري في كتابها: “ولدنا بالكثير من الغرائز لكي نحمي أنفسنا من الضغوط.. إذا استطعت أن تتعامل معها بطريقة مختلفة وإيجابية في الوقت الذي تحدث فيه، فإنك تستطيع أن تغير تأثيراتها على حياتك، والطريقة التي تقصدها هي تغيير طريقة تفكيرنا بأن كل ما يأتي من وراء الخوازيق سلبي.
العجيب في الأمر كله من أوله إلى آخره ليس في كمية الخوازيق التي تصيبنا في الحياة، بل فيما يدرسه طلاب كلية الهندسة تخصص مدني، من ان المبني ذو الأحمال الثقيلة لو لم يحظى بكفايته من الخوازيق يتعرض لا محالة إلى الانهيار، ووفق تلك القاعدة الخازوقية عندما تجد حياتك على خلاف باقي البشر خالية من الخوازيق تأكد ان ذلك فأل سيء وإشعار بأن حياتك لن تتحمل السَحلَّ والمرمطة وسوف تنهار ذلك الانهيار الذي عبر عنه المطرب هاني شاكر في رائعته الخازوقية لو بتحب حقيقي صحيح!
الخلاصة من وجهة نظري أن النضج هو ادراك الحقيقة والتعايش مع خوازيق الحياة، وان تكون مؤمنا ايمانا صادقا لا نفاق فيه بأنه تأتيك الخوازيق من حيث لا تدري ولا تحتسب، وان الحياة تخزوق من تشاء بغير حساب!
وعلى المستوى الشخصي المتعايش مع الخوازيق صدقت وآمنت بمقولة ” لا تختلط بأكملك مع النَّاس واحتفظ لنفسك ببعضٍ منك”، ورغم ذلك فإن للخازوق فوائد لا تخطئها العين، أهمها انه لو لم تتكعبل حياتك وتسقط في نهر خوازيق، ستكون رأسك خضراء غير ناضجة مثل ثمرة بصل اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وقادها الخازوق العاثر إلى أفواه الجائعين حول عربة فول مدمس.
وقيل في الشعر العربي قديما “أمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت وردا وعضّت على العناب بالبرد”، وللأسف شعوري أن الدنيا أمطرت خوازيق وانا أكتب تدوينه الفيس بوك، وتعزز هذا الشعور غير المريح بعد أن أدلى الأصدقاء بتعليقاتهم، رغم هذا المطر من الخوازيق، فإن شعورا بالأمل ينتابك عندما ترى أطفال غزة يمرحون ويلعبون ببراءة تثير دهشتك فوق ركام بيوتهم التي هدمها الاحتلال الصهيوني انتقاما من خوازيق المقاومة التي دكت فقاعة تل أبيب.