سيتكوم الدرب يغرد خارج السرب

فن الكوميديا بالمغرب أصبح يحتاج إلى نيابة عامة فنية تعيد البرامج الفنية الكوميدية خصوصا في شهر رمضان المبارك إلى الطريق السليم، وتضرب بيد من حديد على كل المخالفين والمستهترين بمشاعر المتلقي، هذا ما عبر عنه المشاهد المغربي بالإجماع بعد مشاهدة السلسلات التلفزية الرمضانية لهذا العام.

لقد أصبحت السيتكومات الفكاهية المغربية الرمضانية التي تقدمها القنوات المغربية، تجعل الضحك هدفا في ذاته، وكأن المشاهد المغربي لا يضحك إلا على الكلمات والحركات الرخيصة ولا يملك ذوقا فنيا يذكر، فالإنتاج الفكاهي الرمضاني أصبح حاله يندى لها الجبين من خلال ما وصل إليه اليوم.

سيتكوم “الدرب” لمخرجه المغربي هشام العسري الذي عود الجمهور على أفلام سينمائية لا بأس بها تعرض في أضخم المهرجانات السينمائية بالعالم كمهرجان “كان” بفرنسا ومهرجان ألمانيا “برلينال”، ها هو اليوم من خلال سيتكومه الذي تبثه القناة الأولى خلال موعد الإفطار وهو الوقت الذي تجتمع فيه العائلة على المائدة، يستهتر بالمشاهد المغربي إلى أبعد الحدود، (رقصات وحركات وسخافات) لا يجد المشاهد لها معنى ويصعب إيجاد معنى لها وسط تكرار للأفكار التافهة وترويج عدد من المبادئ التي تتنافى وقيم المجتمع المغربي وشهر رمضان المبارك، وذلك عن طريق كثرة الصراخ والارتجالية في الحوارات بكلمات رخيصة والاعتماد على الحركات البهلوانية بعيدا كل البعد عن الإبداع الحقيقي والكوميديا الجادة وتوظيف القافية الغير السليمة، يوضح أنه ثمة غياب وخصاص كبيرين في كتابة النصوص الكوميدية الإبداعية التي تلائم تطلعات المشاهد المكتفي فقط في الأخير بذكر عبارة “كوميديا الحموضة وتعواج الفم”.

إن الكتابة في فن الكوميديا ما زالت ضعيفة جدا تفتقر للجانب الفكري والثقافي، فكثير من كتاب السيناريو الذين يدعون تضلعهم في الكتابة لم يقدموا أبدا ما هو منتظر منهم بحيث لا يمكن إعطاء المتطفلين على الكتابة الكوميدية صفة كاتب أو سيناريست لأن الكتابة الكوميدية في حد ذاتها علم يحتوي على قوانين وشروط وأحكام وضوابط، ومخرجين يقدمون أعمالا لا تحمل أي مضمون فكري إبداعي يرتقي بذوق المشاهد المغربي، وممثلين مبتدئين لا يستحقون أبدا حمل صفة ممثل رغم وجود عدد من الممثلين الأكفاء يملكون طاقات فنية وإبداعية هائلة تم تغييبهم وتجاهلهم دون سبب يذكر، أساء كثيرا إلى الإنتاجات المغربية الرمضانية وبقيت متخلفة تمكث في مكانها منذ سنوات طوال.

إن عبارة “الجمهور باغي هادشي” هي المدخل الذي ينتهجه صناع هذه الرداءة لتبرير ردائتهم الفنية المنحطة والحاجز الواقي الذي تقف وراءه القنوات المغربية، رغم أن الجمهور بريء براءة الذئب من دم يوسف من كل هذه الافتراءات، وأثبت مرارا وتكرارا عن رفضه المطلق لهذه العبارة المفتعلة، حيث أصبح يفضل جلسات المقاهي ولعب الورق أو “ضامة” على مشاهدة هذه الأعمال، لأن أشباه المنتجين الذين لا يملكون سوى المال فقط لدخول عالم الفن أصبحت لهم الكلمة الفصل على أصحاب الخبرة والتجربة وذوي الاختصاص في المجال حتى انكسرت العلاقة بين المشاهد وما يقدم له من أعمال فنية، وأصبحت اليوم هذه القضية جوهرية تستوجب الفصل فيها بسرعة قياسية حتى لا ينخر هذا الداء جسد الفن المغربي.

كان المشاهد المغربي يترقب هذا الموسم الرمضاني أن يشاهد أعمالا فكاهية محترمة، وأن تكون القنوات التلفزية والمنتجين والمخرجين قد أخذوا على محمل الجد بمجمل الانتقادات التي طالت الإنتاجات الرمضانية في كل سنة، لكن الجديد الذي صعق المشاهد هو “كوميديا تعواج الفم” ليستمر موسم السوق الإنتاجي للمسلسلات الكارثية والعبث مجددا بعقول المغاربة وقيمهم.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد