جربت تكون في وسط زحمة وناس كتير .. ووحيد؟

كتب: أسامة عبد الرحيم

لا اعلم لماذا انتحر قطار طنطا، ولا ما دار بعقله عندما شمر عن ساقيه وقفز الجرار من فوق القضبان ليحتضن عيدان الذرة ويرقد على جنبه، ويكأنه محمد الشناوي حارس مرمى منتخب مصر يلتقط قذيفة كروية في مباراة دولية، غير ان الشناوي يسقط وحده ارضا أما الجرار فيسحب خلفه اربعة عشرة عربة قادهن الحظ المدوحس للارتباط بسي الجرار، ارتباطاً ارثوذكسيا في ورش هيئة السكة الحديد، وما تجمعه الورش لا يفرقه القفز من فوق القضبان!

والانتحار يا جماعة الخير عدوى لا تقف عند قطارات وزارة النقل بمصر، بل انه خطر يهدد ملايين البشر حول العالم، وهو ما قد نبه إليه الأطباء النفسيون من وقوع اضطرابات نفسية قد تصل إلى التشوهات النفسية في خضم محاولة دول العالم محاصرة فيروس كورونا وما تم من إجراءات عزل منزلي وإغلاق تام لعدد من الدول، وهو الأمر الذي بدوره أظهر مرضا نفسيا جديدا تم تسميته بـ”متلازمة الكوخ”.

ومتلازمة الكوخ عادة تظهر اعراضها في أعقاب إجراءات العزل المنزلي والتباعد الاجتماعي الذي يسير عليه العالم خلال الفترة الحالية ضمن معركته في مواجهة فيروس كورونا.

ومن أعراض متلازمة الكوخ، أن يواجه بعض الأشخاص صعوبة في العودة إلى حياتهم الطبيعية والخروج من المنزل، بالرغم من عدم وجود سبب يدفعهم للمكوث في المنزل، إذ يبدأ يشعر البعض بالانحصار والجمود في اي محاولة للتعايش مع المجتمع من جديد، وتمت تسميتها بـ”متلازمة الكوخ” لأن أحد اعراضها الميل إلى الإعتزال وحيدا في كوخ مثلما يفعل البعض في اوروبا ودول الغرب، او في الصحاري والقرى النائية في الشرق الأوسط.

وضمن أعراضها ربنا يكفينا الشرّ إما الشعور بالنعاس بشكل قوي أو الأرق وعدم القدرة على النوم، وكذلك الشعور بعدم الثقة سواء في شخصه او في الآخرين، ورجح بعض الاطباء بالرغم ان متلازمة الكوخ حديثة العهد إلا أنه من الممكن ان تؤثر على كثير من قرارات الشخص المصاب ومن الممكن ان يدفعه المرض إلى اتخاذ قرارات غير مدروسة وتسبب الكثير من الاضرار سواء على الشخص ذاته كالرغبة في الانتحار او يصل الأمر إلى التسبب في ضرر للمجتمع من حوله.

والأخوة الاطباء النفسيين كتر ألف خيرهم قالوا إن العلاج الأفضل لـ”متلازمة الكوخ” يتمثل في ضرورة التفاعل مع الحياة من جديد وأن يعمل الفرد على تعزيز علاقاته مع من حوله وأن يسعى إلى تغيير روتين يومه القاتم إلى شيء اكثر انفتاحية.

ويبدو اني آخر من يعلم بمتلازمة الكوخ من خلال تجربة غريبة لا أنصح بتجربتها وهي إنك تدلع نفسك بالذهاب إلى برج القاهرة “لوحدك”، لأنك حقيقي من اول ما تدخل من بوابة الأمن والدنيا كلها هتسألك “انت لوحدك؟.. انت لوحدك؟”، الموظف في شباك التذاكر جحظت عينه وكانه يرى عفريت من الجن وهو يسألني “انت لوحدك”، ثم أردف بسؤال آخر “هتاخد ربع ساعة بس”.

تمتمت في سري لعله يعرف بـ”متلازمة الكوخ” ويخشى أن أكرر فعلة جرار طنطا من فوق البرج، بعدها جاء من تسلم التذكرة ورمقني بنظرة من تلك التي تعني “انت لوحدك هتاخد ربع ساعة بس”، بعدها سلمني تسليم اهالي إلى عامل المصعد المسئول عن اختراق الأدوار والوصول الى سدرة المنتهى والتي يقفز منها الناس يعانقون اللاشئ ثم تتلاشى أرواحهم بعد السقوط من هذا العلو الشاهق على الأسفلت.

قال من تسلم التذكرة لعامل المصعد وهو يضغط على اسنانه ويعتصر حروف كلماته “خلي بالك ده لوحده !!”، بعدها خاطب عامل المصعد -وبالمناسبة كانت انثى- الأمن في هاتف المصعد وقالت بتوتر بالغ والعرق يظهر على جبينها “انا معايا واحد لوحده !!”.

أسرعت بالخروج من المصعد وانا أهمس لنفسي معقول أن تعرف مصر كلها بـ”متلازمة الكوخ” وانا آخر من يعلم ؟!، صدمني انتظار فرد الأمن لشخصي المتواضع أمام المصعد، وقال بصوت خشن وهو متجهم “انت اللي لوحدك؟!” بعدها صعدنا أحد الأدوار وقام بتسليمي لزميل له وهمس في أذته “خد دا لوحده”، بعدها ظل الرجل يلازمني مثل ظلي بل أكثر التصاقاً طيلة الربع ساعة، وفي هذا الجو المشحون برغبة أحد الطرفين بالاستمتاع بالفسحة والمناظر من فوق البرج، وشك الطرف الثاني بانني مقدم لا شك على نهاية “متلازمة الكوخ” انتهت الربع ساعة.

نطقها فرد الأمن بارتياح شديد “الربع ساعة خلصت يا استاذ يلا بينا عشان انزلك”، استسلمت للرجل الذي ساقني الى المصعد حتى ساورني الشك بأني فعلاً طالع البرج انتحر وتغمدني هذا الاحساس الغريب بينما المصعد يأكل الأدوار هبوطاً، رمقني فرد الأمن الأول بنظرة فهمت منها ما معناه “لو معاك حد تاني هتقعد فوق براحتك بس لوحدك انت طالع تنتحر معروفة يعنى واخرك ربع ساعة”، انها متلازمة الكوخ التي سيطرت على قطار طنطا وعلى موظفي وعمال وامن برج القاهرة، وتلك الربع ساعة التي تشبه قرار الحرب ولا انصح عدو ولا حبيب بتجربتها لأن مصر كلها ستعرف انك لوحدك!

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد