المحاور الستة للخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء

كتب : الدكتور خالد الشرقاوي السموني*

من خلال قرائتنا للخطاب الذي وجهه جلالة الملك محمد السادس، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ44 للمسيرة الخضراء ، يوم 6 نونبر 2019 ، يمكن استخلاص 6 محاور رئيسية ، نذكرها فيما يلي :

1 – المسيرة الخضراء مسيرة التلاحم القوي بين الملك والشعب :

حدث المسيرة الخضراء يخلده المغاربة بكل فخر واعتزاز لمواصلة السير قدما على درب الإصلاحات و الإنجازات ، سعيا إلى تثبيت الوحدة و مناهضة كل الأصوات الداعية إلى الانفصال و التقسيم .

كما شكلت أيضا المسيرة الخضراء حدثا يؤرخ لصفحات مشرقة من النضال و يشكل لحظة قوية لاستحضار بطولة الشعب المغربي و وطنيته و تلاحمه القوي بينه وبين ملكه . حدث سيظل منقوشا بمداد من ذهب في الذاكرة المشتركة للمغاربة ، و كذلك مناسبة ووقفة للتأمل.

لقد كان قرار تنظيم المسيرة الخضراء، مظهراً من مظاهر عبقرية الملك الحسن الثاني رحمه الله، و سانده في ذلك الشعب المغربي بكل تلقائية و عفوية صادقة و تطوع لا مثيل له. لقد أبان الشعب ذاك الوقت عن وطنيته وحبه للوطن وللملك، وتفانيه من أجل الدفاع عن الوحدة الترابية. لذلك ، فإن هذه الذكرى محطة أساسية لاستحضار الوطنية و الوفاء لروح الشهداء .

2 – النهوض بتنمية الإقليم الجنوبية :

أكد جلالة الملك أن الروح التي مكنت من استرجاع الصحراء، سنة 1975، هي التي تدفعنا اليوم، للنهوض بتنمية كل جهات المملكة. وهو ما ينطبق على أقاليمنا الجنوبية، التي تعتبر صلة وصل بين المغرب وإفريقيا، على الصعيد الجغرافي والإنساني والاقتصادي.

وهذا يحيلنا إلى النموذج التنموي من أجل النهوض بتنمية الأقاليم الجنوبية للمملكة، وضمان الحرية والكرامة لأهلها، بموازاة مع تفعيل الجهوية المتقدمة، بما يتيح لساكنة المنطقة التدبير الديمقراطي لشؤونهم، والمساهمة في تنمية منطقتهم ، و سيجعل من الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا مندمجا، يؤهلها للقيام بدورها، كصلة وصل بين المغرب وعمقه الإفريقي.

3 – عدالة قضية الصحراء و التأكيد على مبادرة الحكم الذاتي :

مرة أخرى يوكد جلالة الملك على أن مبادرة الحكم الذاتي تجسد الحل العادل لقضية الصحراء في إطار الوحدة الترابية للمملكة، ومشروعية حقوقه ، و سيواصل العمل، بصدق وحسن نية، طبقا للمقاربة السياسية المعتمدة حصريا، من طرف منظمة الأمم المتحدة، وقرارات مجلس الأمن، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي، عملي وتوافقي ، في إطار الاحترام التام للوحدة الوطنية والترابية للمملكة.

لذلك ، ليس هناك سقف أعلى من سقف مبادرة الحكم الذاتي ، تلك المبادرة التي لقيت تأييدا من قبل كافة الدول العظمى و أكثر من 163 دولة في العالم نظرا لمشروعيتها و واقعيتها .

4 – تنزيل أسس الجهوية المتقدمة و خلق التنمية الجهوية المتوازنة :

أصبح من الضروري جعل البعد المجالي ركيزة أساسية للنموذج التنموي الجديد لحل العديد من المعضلات الاجتماعية و الاقتصادية و إرساء عدالة مجالية يمكن لها تحقيق استدامة النموذج الوطني في الإصلاح وفي الاستقرار و استثمار إمكانيات كل جهة أو إقليم و إحداث توزيع عادل للثروات و التخفيف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في جهة أو جهات بعينها.

ونظرا لتعثر التنمية في بعض مناطق جنوب المغرب ، دعا جلالة الملك إلى التفكير، بكل جدية، في ربط مراكش وأكادير بخط السكة الحديدية؛ في انتظار توسيعه إلى باقي الجهات الجنوبية، ودعم شبكة الطرق، و تعزيزها بالطريق السريع، بين أكادير والداخلة ، مما سيفك العزلة عن هذه المناطق و أضاف أنه ليس من المعقول أن تكون جهة سوس ماسة في وسط المغرب، وبعض البنيات التحتية الأساسية، تتوقف في مراكش، رغم ما تتوفر عليه المنطقة من طاقات وإمكانات ، حيث يجب أن تكون جهة سوس – ماسة مركزا اقتصاديا، يربط شمال المغرب بجنوبه.

وذلك لن يتحقق إلا في إطار الجهوية المتقدمة، والتوزيع العادل للثروات بين جميع الجهات ، لأن هناك تفاوت بين الجهات و بالتالي لن ينجح الرؤية الاستراتيجية للجهوية بالمغرب ما لم نكم هناك جهات منسجمة ومتكاملة، تستفيد على قدم المساواة، من البنيات التحتية، ومن المشاريع الكبرى.

فتحقيق العدالة المجالية، في ظل الجهوية الموسعة، من شأنه تجاوز حالات العجز الذي تعاني منه عدد من مناطق البلاد، وخاصة أقاليم الجنوب، التي ينبغي تحويل إمكانياتها الكبيرة والغنية إلى ثروات عبر إطلاق مشاريع استثمارية.

والتنمية الجهوية يجب أن ترتكز على التعاون والتكامل بين الجهات، وأن تتوفر كل جهة على منطقة كبرى للأنشطة الاقتصادية، حسب مؤهلاتها وخصوصياتها.

5 – إقامة علاقات سليمة وقوية مع الدول المغاربية:

ظل المغرب على الدوام متشبتا بتفعيل البناء المغاربي على أساس روح ومنطوق معاهدة مراكش، انطلاقا من تعزيز الصلات والعلاقات الثنائية بين بلدانه، إيمانا منا بأن التعاون الثنائي يشكل الأساس المتين للعمل المغاربي المشترك.

وكان دائما جلالة الملم يدعو دول المغرب الكبير إلى التحلي بالإرادة الصادقة لتجاوز العقبات والعراقيل التي تقف أمام الانطلاقة الحقيقية لاتحاد المغرب الكبير، والتأكيد على أهمية انبثاق نظام مغاربي جديد.

ونفس الأمر يؤكده الملك محمد السادس غي خطاب المسيرة الخضراء مشيرا إلى أن الوضع الحالي بالمنطقة وبالفضاء المتوسطي يسائل الجميع ، ويدعو للتحرك الإيجابي، نظرا لما يحمله من فرص وتحديات، كون الشباب المغاربي يطالب بفضاء منفتح للتواصل والتبادل و قطاع الأعمال يطالب بتوفير الظروف للنهوض بالتنمية و الإخوة الأفارقة جنوب الصحراء، ينتظرون مساهمة البلدان المغاربية في البرامج والتحديات الكبرى للقارة .

ولذلك ، فإن الاتحاد المغاربي أصبح يفرض نفسه كمطلب شعبي و إفريقي ملح وحتمية إقليمية استراتيجية ، لأن ذا النظام سيتيح للدول الخمس مواكبة التحولات المتسارعة التي تعرفها المنطقة، وفق مقاربة تشاركية وشاملة، كفيلة برفع مختلف التحديات التنموية والأمنية و تحقيق تنمية شاملة لشعوب المنطقة المغاربية، بما تعنيه من إفراز للثروات ولفرص الشغل.

6 – دور رائد للمغرب للنهوض بالقارة الإفريقية:

أكد جلالة الملك في خطابه أن القارة الإفريقية ، منذ اعتلائه العرش، في صلب السياسة الخارجية المغربية ، من خلال القيام بالعديد من الزيارات لمختلف دولها، و التوقيع على حوالي ألف اتفاقية تشمل كل مجالات التعاون. وقد كان لذلك أثر ملموس على مستوى مكانة المغرب الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية داخل القارة.

فقد أصبحت القارة الإفريقية تحظى بأولوية متقدمة في السياسة الخارجية المغربية، خصوصا بعد عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، التي تمكن من خلالها من تطوير علاقاته مع دول القارة على المستوى السياسي والاقتصادي، كما استعاد المغرب ، بفضل جهود جلالة الملك محمد السادس ، ثقة الدول الإفريقية في قدرة هذا البلد على توظيف إمكانياته وموارده لخدمة مصالح القارة في إطار من الشراكة المتكافئة وتعزيز بنية السلم والأمن في القارة.

مدير مركز الرباط للدراسات السياسية و الاستراتيجية

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد