إبن الناس …

حديث الأحد

(أحداث هذه القصة من وحي الخيال، وأي تطابق بينها وبين الواقع هو من قبيل الصدفة)

وأنا احتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد في المقهى المعهود، جلست غير بعيد مني شابة في العشرينات من عمرها، تضع نظارات سوداء ولباسها شيك (أنيق)، ومرة مرة تلقي نظراتها إلي وتبتسم إبتسامة خفيفة، وتسآلت مع نفسي، ما السر وراء هذه الابتسامة، وهذه النظرات ؟

ولن يدوم استغرابي طويلا فلقد قامت الشابة من مكانها وتوجهت نحوي واستأذنت بالجلوس، وما إن فعلت حتى بادرتني بالسؤال هل أنت فلان ؟

وبعدما تأكدت من شخصيتي، قالت لي أنها من المتابعين الدائمين والقدامى لي على مواقع التواصل الاجتماعي وأن أسمها “مريمة” وأنها كانت تحاول التواصل معي منذ زمن طويل ولم تجد لذلك سبيلا …

رحبت بها وسألتها عن حاجتها، فقالت أنها ترغب في إخباري بقصتها لعلها تجد في ذلك بعض المتنفس من الضغط الكبير الذي تعيشه منذ سنوات طوال جراء ما تعرضت له … !

فوافقت على أن أسمع حكايتها…

قد يظن الناظر للوهلة الأولى، ومن يرى ما أنا عليه من حالة مادية جيدة، أنني من أسرة غنية تقول “مريمة”، لباس باهض الثمن، وعطر فاخر، وسيارة جديدة، ولكن العكس تماما، أنا من أسرة فقيرة من إحدى القرى في محيط العاصمة … وقصتي ابتدأت بعدما نلت شهادة الباكالوريا وتوجهت للدراسة بالجامعة في العاصمة …

عند بداية السنة الدراسية، جمع لي أهلي ما تيسر من المال ومن المؤونة والطعام، ورحلت صوب العاصمة، فكان سكني ومقامي في الحي الجامعي، فمثلي لا إمكانية لديهم لاكتراء شقق، ولا طاقة لي على مصاريفها، وكان من المفترض أن اقتصد في كل شيء حتى أتمكن من العيش على المنحة الدراسية الهزيلة التي تمنحها الدولة للطلبة …

وفي أول عطلة أسبوعية منذ مقدمي للعاصمة، توجهت أنا وزميلتي في الحي الجامعي لمقهى بوسط المدينة لقضاء بعض الوقت، والتجول بعدها في بعض الأسواق والمحلات، وفي المقهى جلس في الطاولة المجاورة لنا رجل يبدو عليه الاحترام، لباسه أنيق، وشكله يوحي بالثقة، ولست اتذكر كيف وقع هذا بالضبط ولكن، ماهي إلا ساعات حتى كنت جالسة في الغرفة بالحي الجامعي وأدردش عبر الواتساب مع هذا الرجل الغريب الذي كان يجلس بمقربة منا في المقهى …

ولست أدري كيف وقع هذا كذلك، حتى وجدت نفسي أتنقل مع هذا “الغريب” من مقهى جميل، إلى مطعم راقي مرورا بفندق مصنف من فنادق العاصمة !

أغدق علي “الغريب” من جميع أصناف الهدايا، ساعات غالية الثمن، وعطور فاخرة، وألبسة لم أكن أحلم يوما أن ارتديها، أو حتى أمر من أمام المتاجر الذي تباع فيها !
صرف علي من ماله ووقته بلا حدود …!

لقد جعلني هذا “الغريب” أحس أنني أميرة وأن العالم كله تحت تصرفي، وأن المجموعة الشمسية تدور حصريا حول شخصي …

وفي أحد الايام وأنا في قمة النشوة والسعادة السالبة للارادة، سلبني كل شيء، وأخذ مني الشيء الوحيد الذي كنت أملك مع فقري …

بدأ الأمر بالحب، وتطور لاستغلال شخصي، وبعدها أصبح الاستغلال عمومي …

لست أعلم كيف وصل بي الأمر لهذا الحال، ولكني وجدت نفسي أصبحت سلعة يقدمني “الغريب” كوجبة بعد العشاء لمن يدفع الثمن، أو لمن بيده حاجة يقضيها له …

أصبح يبيع جسدي بأثمان يقبضها، وفهمت أن كل ما كان يفعل أول الأمر معي كان مجرد استثمار، واصبح يقبض الأرباح أضعافا مضاعفة، وعلمت لاحقا أنني لم أكن الأولى، وحتما لن أكون الأخيرة، فهو في بداية كل سنة دراسية يبحث عن مثلي من الفرائس، الصغيرات القادمات للعاصمة من البوادي المجاورة، فيغريهن بسحره وسحر المدينة، حتى يسيطر على عقولهن ويتمكن من أجسادهن، فيدخلهن أسواق تجارة المتعة ويبيع للذي يشتري ويقبض هو الثمن … !

وبصعوبة بالغة تمكنت من الافلات من قبضته تقول “مريمة” ولكن بعد فوات الأوان، فلقد حطم في كل شيء …

والآن بعدما كنت أسيرته، صرت أسيرة نفسي الأمارة بالسوء، وأسيرة كل من يدفع أكثر …

من ابن الحرام هذا (عذرا على العبارة) سألتها في انفعال ؟!

لا لا يا دكتور لا داعي للشتيمة فهذا ليس ابن حرام، إنه ابن أسرة كريمة … !

إنه ابن ناس … وهم لا ذنب لهم، ولا هم يعلمون !

وإلى الاسبوع المقبل.

كتب : الدكتور سعد ماء العينين

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد