أي أفق لمنظومة محو الامية في ظل الاحتياجات المتجددة؟

كتبت: فاطمة ياسين – مهتمة بتعليم الكبار  ومحو الامية

بلغة الأرقام، تقدر نسبة الأمية بالمغرب حسب الاحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014 ب 32 % لدى الفئة العمرية 10 سنوات فما فوق بمعدل  3 اميين من أصل 10 سنة 2014، وهو ما يعادل 8 ملايين و600 ألف شخص أمي. مقابل 43،2% سنة 2004.وتخفي هذه النسبة تفاوتات على مستوى وسط الإقامة والنوع والجهات، حيث تقدر ب22,2% في الوسط الحضري مقابل 47,7% في الوسط القروي ، كما تصل الى 22%في صفوف الرجالمقابل42% بالنسبة النساء. وتشير المندوبية السامية للتخطيط أن معدل أمية النساء عرف انخفاضا بنسبة 12,6 % بينما لم تتجاوز نسبة الانخفاض لدى الرجال 8,6%..أما جهويا، فتمثل جهة بني ملال / خنيفرة أعلى نسبة من حيث معدل الامية، ب%39,1% بينما تسجل أدنى معدلات الامية بالأقاليم الصحراوية بجهة العيون الساقية الحمراء (%21,5) .

وانطلاقا من تحليل بسيط للأرقام واستقراء لهذا التشخيص العام للنسب تتضح بجلاء البؤر التي تتطلب تسليط الضوء والتدخل، والامرهنا يتعلق فقط بنسب الامية بمفهومهاالوظيفي البسيط. ومع ذلك ظلت الفجوة كبيرة بين التشخيص والممارسات الميدانية.أما إذا انطلقنا من المفاهيم الجديدة للامية ومحو الامية كليهما، فإننا حتما سنلمس اتساع هذه الفجوة بالنظرللتطور والتغيير الذي طرأ على المفاهيم واستراتيجيات التعلم على المستوى الدولي منذ أول مؤتمر لتعليم الكبارالى الآن.

والمتتبع لشان تعليم الكبار يعي جيدا مدى دينامية وحركية المفاهيم وعدم سكونها وثباتها ومحاولة استجابتها للتغيرات التي تطرأ على الجمهور الامي نفسه على امتداد تاريخ حركة تعليم الكبار، حيث تبرز باستمرار الاحتياجات والانتظارات المتجددة للفئات المستهدفة والفئات المفترضة من الاميين الجدد. وقد برزت في هذا الصدد فئات عديدة في حاجة لتنمية قدراتها ومهاراتها ليس فقط في المجال المعرفي والتقني والارشادي والمهني وإنما في المجال التكنولوجي والرقمي أيضا في ظل التطور السريع للمجتمعات وهيمنة التكنولوجيا على العلاقات الاجتماعية بشكل لم يعد معه سبيل للتخلي عنها خاصة مع اجتياح وباء كوفيد 19 كمظهر من مظاهر العالم الجديد.  هذه الفئات قد تندرج ضمن ذوي المهارات القرائية المحدودة أو الدنيا اوما يسمى ب اللاقرائيةl’illettrisme[2]والمتمثلة أولا في المراهقين والشباب المنقطعين عن الدراسة والعاطلين عن العمل،ناهيك عن تدني مستوى القراءة،وثانيا في فئة غير الناطقين باللغات الوطنية والمحلية في إطار ما أصبح يعرفه المغرب اسوة بدول العالم من هجرة ونزوح من افريقيا والشرق الاوسط وجنسيات اخرى. واتخاذ المغرب بلدا للإقامة وليس للعبور.فالهجرة كمظهر اجتماعي ظهرت من جديد وبصيغأخرى؛مما يُحتم تجديد الرؤى والأدوات وتوفير التكوين والتعلم لمختلفالفئات والجاليات الوافدة من أجل العيش المشترك وتبادل الثقافات وتقبل الاختلاف.

هذا التطور المتجدد في الاحتياجات بالنسبة لتعليم الكبار عامة ومحو الامية خاصة، يَفْترض اعتماد مقاربة نسقية إدماجية وتأهيلية لتنمية قدرات هذه الفئات المفترضة من الاميين الجدد والحصول على مستوى تعليمي يخول للأفراد تحسين الخدمات الحياتية، في كل ابعادها الاجتماعيةوالاقتصادية والسياسية والثقافية حتى يتمكنوا من مواكبة الحياة اليومية المعقدة و مواجهة التحديات الرقمية، والقدرة على الإبحار عبر الشبكة العنكبوتية، والتمكن من الولوج إلى الخدمات البديلة التي اصبحت تتم عبرهامن قبيل عروض العمل  والمقابلات المهنية والمعاملات البنكيةوطلب وثائق إدارية وحتى اقتناء المشتريات وغير ذلك.

ومن اجل بلورة تصور يروم المواءمة بين الاحتياجات المتجددة والبرامج، يمكن اقتراح البدائل التالية: 

  • تطوير مفهوم الاستهداف والتركيز على الفئات ذات الاولوية والنشيطة منها وخاصة الشباب الأمي وذوي المهارات المحدودة او المستويات الدنيا؛ والممثلة في الفئة 18-35 سنة( يافعون ومراهقون، شباب عاطل أو وضعية شغل غير قار) وهي فئات ذات خصوصية على المستوى النفسي والاجتماعي والاقتصادي؛
  • تحسين شروط التعلم بتطوير مسار محو الامية والرفع من مستويات التعلم والغلاف الزمني وتطوير هياكل الاستقبال الخاصة بالكبار بشكل يتوافق مع الحاجيات المتجددة والفئات المتنوعة والمستجدات التربويةوالارتقاء المؤسساتي بدل الاقتصار على برنامج واحد ووحيد لكافة الفئات.[3]
  • تقديم عرض تربوي متنوع Menu à la carteيستجيب لمختلف الفئات ويروم اكساب المتعلمين مهاراتمتنوعة(م.حياتية، م.صلبة،م.ناعمة) تستجيب لتطلعات الشباب والراشدين عبر برامج بصيغتين (تعلم حضوريو عن بعد) وبوتيرتين( عادي ومكثف) للتحفيز على التعلم الذاتي لمن لم يتمكن من الانخراط في البرامج المباشرة وللراغبين في الترقي المهني السريعفي مواقع العمل والباحثين عن العمل. وفي هذا السياق ذكر ﻫ بولا في كتابه “تعليم الكبار:اتجاهات وقضايا عالمية“[4]أن تقرير إدغار فور قد أشار صراحة إلى كون التعليم التقليدي لم يعد كافيا ” وأن المرحلة الراهنة تستلزم ” تعليما يتلاءم واحتياجات الدارسين ورغباتهم حيث يشارك الدارسون في تخطيطه وتنفيذه وتقويمه، وهذا هو التعليم الذي يؤدي إلى الاستقلالية والاندماج“؛
  • الارتقاء بحقل محو الامية الى مستوى تعليم الكبار استنادا لما أقره المؤتمر الخامس الدولي المنعقد في “هامبورج” بألمانيا عام 1997بعنوان “تعليم الكبار مفتاح القرن الحادي والعشرين” حيث اعتبر تعليم الكبار منظومة من التربية المستديمة، ومدخلا لتحقيق التنمية البشرية؛ وقد برز ذلك في التقرير الخاص بالتربية والتعلم الذي أعده جاك دولور حيث اعتبر ” التعلم سيرورة مستديمة لا تقتصر على لحظة عمرية وإنما هي مستمرة مدى الحياة ولمختلف الأعمار والفئات“. هذه الرؤية الشمولية والمندمجة لمفهوم التعلم وضع لها أربع دعائم وُصفت بالكنز المكنون: تعلم لتعرف Apprendre à connaitre /تعلم لتعمل Apprendre à faire /تعلم للعيش مع الآخرينApprendre à vivre ensemble/تعلم لتكون Apprendre à être؛
  • ضرورة إضفاء القيمة على برامج محو الامية، وذلك قمين أولا بتجاوز النظرة الضيقة لمحو الامية واختزالها في تعلم وظيفي بسيط او ربطه فقط ببعض الانشطة المدرة للدخل التي تتوقف بمجرد ما ينتهي الدعم ؛ وذلك من خلال إعادة النظر في مراحل ومسار التعلم في برامج محو الامية وتعليم الكبار[5]le parcours d’alphabétisation، كما سبقت الإشارة، وثانيا بإتاحة نفس الفرص للمتعلمين المتحررين من الأمية مقارنة بنظرائهم المتعلمين لولوج أنظمة تعليمية ومهنية ( العودة للتعليم النظامي أو ولوج مؤسسات التكوين المهني) في انسجام تام لما أوصى به المؤتمر السادس لتعليم الكبار المنعقد بالبرازيل سنة 2009،حيث اعتبر تعليم الكبار ” جزءً لا يتجزأ من المجتمع القائم على المعرفة” ويستجيب لكل أشكال التعلم الشامل والمتكامل والمرتبط بكل مناحي الحياة الخاصة بالشباب والكبار نساء ورجالا على حد سواء عبر خلق بيئة قارئة من خلال إحداث نوادي قرائية ومراكز مجتمعية لتعلم اللغات والمعلوميات وانواع الفنون ونشرالمجلات والنشرات ذات الاهتمام بهذه الفئات.

للتذكير فقط، كما سبقت الإشارة في مناسبات عديدة، فإن ظاهرة الأمية في ابعادها وأنماطها المتعددة وتمظهراتها الجديدة[6]لا تقتصر على النساء من كبيرات السن وذات حاجيات دينية واجتماعية فقط، بل هي متفشية، وبشكل مقلق في صفوف شرائح واسعة من اليافعين والشباب والكهول والمهاجرين وتمس الفئات النشيطة والقطاعات المنتجةوغيرالمهيكلةو حتىمستخدمي الإدارات العمومية والجماعات المحلية. وما يطفو على سطح الواقع من تجليات ( الجهل، انعدام الوعي، العنف، الفقر…) لخير دليل على أن أزمةَ قِيَّم تلوح في الأفق. ومن أجل استدراك هذه الازمة، يجب استهداف كل الفئات والالتفات الى الشباب ذوي المهارات القرائية الدنيا والذين يوجدون خارج منظومة التربية والتكوين وتيسير إعادة إدماجهم مما يعني“ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع”[7]وبالتاليتمتيع جميع الفئات بأسمى حق من حقوق الانسان وهو الحق في التعلم والتعلم مدى الحياة، في انتظارما سيسفر عنه المؤتمر الدوليالسابع لتعليم الكبار CONFINTEA المتوقع تنظيمه في عام 2021.

                                                                                                                                                             بقلمفاطمة ياسن

مهتمة بتعليم الكبار  ومحو الامية

 

[1]المصدر : المندوبية السامية للتخطيط : الإحصاء العام للسكان والسكنى 2014 والوكالة الوطنية لمحاربة الأمية 2017

[2]– مقتطف من مقالي المنشور بجريدة الأحداث المغربية تحت عنوان: كرونولوجيا المفهوم: من التعلم الأبجدي الى التعلم مدى الحياة بتاريخ 16 أكتوبر 2017

[3]– مقالي بعنوان:  الوكالة الوطنية : المشروع المؤجل، الى متى؟ ” المنشور بجريدة الاحداث المغربية الأربعاء 18 يونيو 2014¤الـعـدد : 5312¤  السنة: 16

[4]– فاطمة ياسن” ذاكرة محو الامية بالمغرب” 2009

[5]– مقالي بعنوان: ظاهرة الامية بالمغرب: التحديات والبدائلالمنشور بجريدة الاحداث المغربية بتاريخ1 ماي 2013 الـعـدد 4962 السنة: 15

[6]– مقال منشور بجريدة الأحداث المغربية بتاريخ 17 أكتوبر 2011، تحت عنوان: محو الأمية أفق للتغيير والتأهيل العدد 4484 السنة 13

[7]–  التقرير العالمي ،اليونسكو 2016

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد