سيدي رئيس الحكومة…
أعذرني لأنني تجرأت آن أكتب إليك هكذا دون إذن مسبق، فأنا جد مدركة انك لا تعرفني وربما تناسيت تقاسيم وجهي المتعب و المنهك، لست إبنة صديق ولا قريب، أبي لا يملك وساطة، بينه وبينه الأرض علاقة حب أبدية لا تحتاج لوساطة.
أمي؟ هي كذلك لا تعرفها وليست من قريباتك ولا من قريبات أصحابك ومقربيك، أنا مجرد رقم غير مرئي من طرفكم سيدي المحترم، لكنني قررت أن أتجرأ وأكتب إليكم أمام الملأ لأحدثك عن أشياء كثيرة ربما ستحرك فيك ذرة من إنسانيتك وآنت الطبيب المختص في معالجة مرضى النفوس…
سيدي أنا طفلة من عمق المغرب المنسي، ترسم الأيام على وجهي خارطة تجاعيد لا تليق بسني، أحمل حقيبة مدرسية ثقيلة تزيد من إعوجاع ظهري، أعبر يوميا العشرات من المسالك الوعرة، أقطع العشرات من الكلمترات مشيا على الأقدام، أصعد، أنزل، أتعب، أبكي، أئن، أكابد، أكافح، أتألم، أسقط، أنهض و أواصل المسير بحثا عن مستقبل جميل ترسمه لي مدرستي التي تسكن نفس القسم الذي ندرس فيه…
سيدي أنا لست سوى طفلة بأحلام بسيطة، لا أملك شيئا أغلى من الحلم، ذلك الحلم الذي أراني فيه وقد أنهيت دراستي ها هنا، أن أحصل على شهادتي الإبتدائية ثم أعود لمنزلنا على التل، أسرح بعض نعاجنا وخرفاننا، أجمع البيض من خمم الدجاج، أحلب البقرة أحيانا، وأحيانا كثيرة أستمع لمذياع صغير خلسة حين يتوجه أبي إلى مسجد القرية لأداء صلواته التي يحافظ عليها بشكل دقيق..
سيدي رئيس الحكومة..
أعرف أنك تتساءل اللحظة عما تريده هذه ” البزة” من رئيس حكومة؟
فعلا أنا بزة في نظركم سيدي لا أستحق أن تخصص لي دقيقة واحدة قبل أن تمضي على مرسوم قرارك بالإبقاء على الساعة الصيفية الإضافية، لم تفكر بي ولا بالمئات من أمثالي “البزابيز” اللواتي يستيقظن مع التباشير الأولى للصباح للتوجه لمدارس وفرعيات تبعد بعشرات الكلمترات، نحن البزابيز اللواتي نتحدى الطبيعة أحيانا كثيرة طمعا في غد أفضل تمنحه لنا المدرسة، نحن البزابيز اللواتي إحتجنا لوساطة الأمهات و العمات والخالات و الجدات ليسمح لنا بالجلوس على مقاعد الدراسة، نحن البزابيز اللواتي لا نسكن الفيلات ولا سائق خاص ينتظرنا أمام المدارس…نحن البزابيز اللواتي ستجبرنا على ترك مقاعد الدراسة و التخلي عن أحلامنا البسيطة جدا جدا بالمقارنة مع مقارباتكم الإقتصادية و الطاقية، نعم سيدي الرئيس سنغادر هكذا على غفلة مقاعد الدراسة مكرهات، هل تعلم لماذا؟
لأنني لن أستطيع أن أقنع أبي أن أغادر المنزل صباحا على السابعة و الليل ما زال يرخي ظلامه و الذئاب لم تعد بعد إلى أوكارها..
أدرك اللحظة انك ترسم تلك الإبتسامة الجميلة على شفتيك وتحدث نفسك:” هذه مزايدة، فالتوقيت الجديد الخاص بالمدارس العمومية أقر بتعديل الدخول الصباحي من الثامنة إلى التاسعة”.
فعلا سيدي الرئيس، لكنك تناسيت أنني أقطع أزيد من 8 كلمترات تقريبا للوصول إلى المدرسة، والشتاء على الأبواب…ولاداعي لان أذكرك بكل المخاطر و الأهوال التي تملأ مساري اليومي ذهابا وإيابا، لا داعي لان أذكرك أنني احمل حياتي على كفي وأنا أعبر الفجاج وأقطع الوديان…لاداعي لان أذكرك بقصة صديقتي التي نهشت الكلاب لحمها ذات صبيحة، لا داعي لأن أذكرك بجارتي التي جرفتها السيول على حين غفلة ولم تعد للحظة، لاداعي لأن أذكرك والذكرى تنفع المؤمنين أنني سأشتاق لمقاعد الدراسة، بأنني سأذرف دمعا غزيرا كلما تذكرت أنني حرمت من حقي في الدراسة من أجل عيون “دراسة علمية” سقطت هكذا فجأة من السماء تتحدث عن إيجابيات الساعة الإضافية الصيفية، لاداعي أن أذكرك أني سأدعو الله كل حين ولحظة ألا يصفح ويغفر لمن كان سببا في قتل حلمي البسيط في الجلوس على مقاعد الدراسة بعد أن نلته بوساطة ونضال الأم و العمة و الخالة و الجارة و الجدة…
هل إقتنعت أنك ستقتلني؟
التوقيع
طفلة من المغرب المنسي
بقلم : محجوب بنسعلي
*وزير شاب بحكومة الشباب الموازية مكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني