بقلم: وداد الإسطنبولي
وقبل القراءة سنبحرُ معا في سيرة الكاتب الطويلة والتي اختصر منها القليل للعلم والمعرفة.
جمال فايز كاتب وروائي من دولة قطر حاصل على قلادة العنقاء الذهبية الدولية، مُنح” جائزة المثقف” من مؤتمر القمة الثقافي العربي الذي تقيمه المنظمة العربية لحقوق الانسان. تم اختياره ضمن (60) أديب عربي معاصر في مجال القصة القصيرة والرواية.
ترجمت أعماله لعدة لغات، واختيرت أيضا لنيل الدرجة العلمية الماجستير والدكتوراه.
وضعتني رواية” شتاء فرانكفورت” عند قراءتي لها بأنها رواية جدا بسيطة وهي كذلك، استطاع الكاتب جمال فايز ببساطة قلمه أن يجعلني أكمل قراءة روايته .. برغم أني وبصراحة لم أكمل روايات كثيرة لقراءتي لها، ولكن شدتني هذه الرواية اسقاطاتها الجميلة للكاتب التي أعطت صدق الأحداث الخيالية بواقع حدث حقيقي بمضمونها ومستواها يشبه واقع يحدث لمئات من الناس.
وأبرز أيضا ذاك البعد النفسي والاجتماعي لكل شخصيه كما برز حدث حقيقي في روايته حدث في قطر هذه الدولة التي حملت بين أكتافها هذا الحدث الكبير وهو مونديال ٢٠٢٢م لكرة القدم. وكأن بكتابته الرواية قد توقفت فترة بسبب الجائحة كوفيد١٩…
سياقه الأدبي سلس، اللغة بسيطة، وبالنسبة للغلاف والعنوان بوجه نظري غلاف أنيق يدل على عنوان الرواية واختيار بارد للون الثلجي ودافئ بلون السواد والرمادي ليبعث دفء الألوان للغلاف رغم الشتاء تشعر بدفيء الإحساس الكتابي للكاتب.
شتاء فرانكفورت سردتْ بلسان الراوي العليم في حين استنطق شخصياته بضمير المتكلم أيضا
ولكن أذهلني حقيقة طريقة السرد فقد أدخلني الكاتب في واقعية الرواية وكأنه مشهد تتوالى أحداثه العادية في الحياة… أعطى احساسا أن الكاتب كان يكتب روايته بكل استرخاء.
الزمن والمكان:
المكان كان متنوّعا في الرواية ومتنقل بين الفندق ،الأزقة، وساحة الاستعراض وغيرها من الأمكنة المختلفة المذكورة بها في حين أن الروائي لم يتقيد بزمن معين هي فقط تلك الأيام المعدودة التي تسلسلت فيها الأحداث وتفاصيلها.
فكانت الزمكنة متوافقة مع الأحداث والشخصيات والبعد النفسي والاجتماعي للشخوص.
لو تحدثنا عن شخصيات القصة فهي أكثر من شخصيه وكل شخصية أبرز الكاتب حقها في القصة إن كان دورا بطوليا أو مساعدا ربما رغبة منه لتكوين الأدوار المساعدة في الرواية، لهذا كانت الشخصيات الثانوية للرواية لها دور في اكمال أحداثها… وتجلّت هذه الشخوص من خلال الحوار والافعال والمنولوج والفلاش باك والعواطف.
أهم الشخصيات التي برزت جوانب الرواية :
أحمد الشخصية الرئيسية:
البطل الذي تدور عليه كامل الرواية ولد عربي من البلد الشقيق قطر فكر في قضاء اجازته في فرانكفورت احدى مدن ألمانيا وكان الوقت شتاء ودارت الأحداث خلال هذا الشتاء البارد المرير. ومن بداية سطور الرواية وأحمد في خوف وقلق حيث ارتباكه في المطار اعترته مشاعر الخوف وهذا البعد النفسي الذى حدث لأحمد، أشعرنا به الكاتب من نظرات المضيفة، وكأنه قام بفعلة وأراد أن يداريها بالسفر فعتره الشك وعاش بفكرة أن العالم من حوله عرف بفعلته فعاش هذا الدور.. ثم شكه في موظفة تفتيش الأمتعة… والاستغراب الدائم لكل من ينظر إليه.
والبداية دائما دليل الأحداث المتبقية وكما يقولون ” البريد يظهر من عنوانه”
وبالفعل هذا ما حدث لأحمد عند وصوله للمدينة ونزوله من التاكسي وهو في شتات حيث أتوا فتيه فجأه وحاصروه، وسرقوا جوازه وبطاقة الائتمان وشنطة حاسوبه وكل أوراقه الثبوتيه،فوجد نفسه في الشارع بين ليلة وضحاها.
حالته المهترئة، بكائه المرير لأنه لا يعرف أحدا في المدينة وكيف السبيل للبحث عن امتعته؟ وكيف الرجوع للبلد بدونهما؟ وهذا كان الحبك الذي أدى إلى الاضطراب والصراع.
أنقضه القدر بمعرفة أوليفر أحد مواطنين المنطقة وأصدقائه وجده مرميا بملابسه الداخلية وهذه الشخصية الثانية في الرواية
أوليفر:
الفتى العاقل الرزين الذي يحاول أن يساعد ويبعد المشاكل عن الجميع رغم احتضان يده بقارورة الشراب ولكن كان مشجعا لأحمد بعد أن وجده وهدّأ من روعه وخوفه وأنه في أمان بينهم وحثه أن البكاء لا يعيد ما نفقده، وعليه أن يشكر الربّ أنه مازال حيّا.
أيضا أوليفر مرّ بحياته وهو صغير بأمور ضاق لها الصدر، وهذا البعد الاجتماعي والنفسي الذي مرت بها شخصيته ، حيث إهمال الوالد له ولأخته ولأمه وهو في سن العاشرة ورحل عنهم وكان يهذر أمواله في المخدرات، ثم رحيل الأم مع صديقها، وتركتهما، وأخته حين كبرت ووجدت رفيقا لها ورحلت أيضا… أُدخِل الى مركز التأهيل أكثر من مرة ولكنه كان يهرب.
ومع هذا مازال متفائلا للحياة.
كان شديد القرب من أحمد يطعمه من ذلك المطعم الذي يأخذ منه الطعام والذي صاحبه آرثر أحد أصدقائه ويعتبر آرثر شخصية مساعده وجد في الرواية بمشهدين امتاز بهما لتكوين أحداث الرواية.
دانيال:
القائد والمتنمر في الرواية أصدقائه يخافون منه ذو قوة وصلابه وهو أحد السارقين لأمتعه أحمد وصديقيه تايلر وآيدن
تايلر:
متأثر كثيرا لأن لا أحد يسأل عنه من أهله، وقوف دانيال صديقه معه هو ما جعله يتمسك به ويتأثر بسلوكه لهذا كان يسمع كلامه دائما وينفذ أوامره. والده خارج البيت، أمه طاهية في مطعم، أخته مشغولة بالدراسة.
آيدن:
الفتى الطيب المطيع بطبعه، ربما الصحبة الساحبة جعلته يفعل كما يفعلون، ولكن في قراره نفسه يشعر أنه انسان آخر له طباع أخرى.
أدريان:
الحيوان الأليف المطيع ” الكلب” الوفي لجليسه وهنا أقول أن الكاتب أدخل الفن العجائبي حيث اهتم بهذه الشخصية، وترك لها حيز في روايته عما يراه ويشعر به باندهاشه واستغرابه من تصرفات البشر وغرابه أفعالهم، فيتحدث عما يراه بإنطاق لسانه في صفحة ٢٥و٢٦و٥٠ ٥١و وغيرها من صفحات الرواية.
ديلما:
الفتاه التي دورها بسيط ولكنه ملحوظ عازفة “كمان” وخريجة معهد موسيقى الظروف الاجتماعية، واحتياجها للمصاريف لعلاج أمها من السرطان الكبدي جعلها أيضا من القادمين لفرانكفورت لسماعها بوجود فرص عمل بعد أن رأت حاله اباها غير قادر على توفير مبلغ العلاج، وقد أنهكه السعي فساعدها أوليفر في العمل.
وهناك آرثر والمضيفة للطيران موظفة الجوازات وغيرهم لهم أدوار ثانوية بسيطة في الرواية.
تدور أحداث القصة
حول رجل أراد قضاء الإجازة في مدينة من مدن دولة ألمانيا وهي فرانكفورت هذه المدينة الجميلة بعماراتها الشاهقة، واشجارها الباسقات، ومساحتها الخضراء كما ذكر.
ولكنه بدل أن يقضى اجازة واستجمام قضى أياما متعبة وليالي قاسية، لولا الأصدقاء الذين حظى بهم وعاونوه على البحث والمساعدة الى أن يجدوا السارقين الذين أخذوا أمتعته. فعوضه الله بهم وتعايش معهم، الا أن قلبه يحن لوطنه وفكره دائما في تأمل للرجوع لبلده وأهله وأرضه.
ذكر في روايته بعض الوقائع الحقيقية
1- كالسفر للخارج للقمة العيش وهذا سبيل كل البشر عربي كان أو أجنبي كسائق التاكسي الباكستاني الذي اتي لفرانكفورت لهذا السبب ويرسل بعض الأموال لأولاده في “بيشاور”
2- تنظيم كأس العالم لكرة القدم في قطر
3- أظهر بعض أسماء العرب الذي لهم مكانه كحاتم الطائي
4- أظهر بعض المشاعر وشعارات دينية حيث أراد السائق الذهاب الى الحج
٥ وأيضا انتمائه لوطنه حين شاهد فيلم” عقارب الساعة” للمخرج خليفه المريخي
في الوصف لا أدري لماذا توقفت عند هذه المقولة:
“السكينة تغلب على المكان الا من الصوت الصادر من عجلات حقيبة السيارة”.
هذه رحلتي بعد قراءة هذه الرواية التي وجدت بها ترابط انساني بين العرب والغرب .
غاص الراوي في التفاصيل الدقيقة لأصغر الأمور في انسيابية سرده، وأظن هذه الإنسانية هي من ستجعل القارئ متحفزا لمتابعة الرواية للوصول للختام.