صالح

أغلق باب سيارته، وأدار المحرك وهو يحدّث نفسه عن صراخها المفاجئ وما فعلت به في لحظة حطّمت كلّ عاطفة كان يملكها مع تلك القذائف المدمرة من لسانها في كلمات عنيفة تزيد الجنون جنونًا، ولولتها الكاذبة بالتقصير دون التوفير.

– “يخرب بيت الحريم وأصلهم، ماذا أفعل؟ وكيف أراضيها؟

– “تعبتُ.. سئمتُ.. زهقتُ.. عقلي دماره قادم”،

هكذا كان يحدّث نفسه، وضربات تضرب عقله بشدة، تُشعره بشللٍ تام وآلام رأسه تنتشر في جميع الأنحاء. يبحث عن النجاةِ ويتمنّى الموت في آنٍ واحد!

إنّها الإرادة التي لا مهرب منها، سوى التنازل والخضوع لها، كما كان يفعل منذ سنوات طويلة، يفكر في أبنائه وشتاتهم، كيف يكون خارج المحور، وقلّة الحيلة في اتخاذ القرار المناسب برغم السنوات الطويلة التي عاشها معها.

وصل إلى تلك الدولة العربية، يتمنّى أن يجد امرأة تُشبع عواطفه كي يُبرر تلك الخطايا بخطايا حياته التي لا نهاية لها سوى الموت الذي يتمنّاه دائماً.

وما إن دخل باب الفندق، حتى سمع موسيقى صاخبة لا يعلم مصدرها في ليل ظلامه دامس، لا تراه العيون وإن كان النور يجمع نفسه في كلّ زاوية، سأل حارس الأمن: من أين مصدر تلك الموسيقى؟ حين أشار بيديه وهو يبتسم: فوق!

الصعود إلى الأعلى ليس صعبًا، لكنّ الهبوط أصعب من أن تدخل وترى تلك الغانيات يتمايلن بأردافهنّ في شتات العقل والمنطق، لكنّها الرؤية التي ربما تزيل بعض الآلام.

– أهلاً سيّدي، أهلًا بكَ!

سأله:” كيفك أنتَ؟”، سمعه يقول له: “زيّ الزفت؟”

ابتسم قليلًا، حدّث نفسه بالقول إنه يُشبهه وهو يتقدّم إلى تلك الطاولة، بدأ ينظر إلى تلك الفتيات اللاتي يرقصن، إحداهنّ طويلة القامة، تتمايل بكلِّ جسدها الملتصق مع ذلك الفستان الأزرق الشّفاف مع تلك الأعين والنظرات الناعسة البائسة، مع الرجال الذين يدفعون ثمن الزهور التي تحملها تلك المرأة الأثيوبية التي تراقب الذين يفقدون عقولهم حين يقومون بإهداء الورود إلى تلك الراقصة التي تحيي العقول ـ كما يعتقدون ـ وتلك عبارات الترحيب بأسماء بعض الضيوف تصعد من خلال ذلك الميكرفون الذي يحوم حول الزبائن، وهي ترحب بالأستاذ صالح الذي دخل فجأة وجلس في الزاوية الخلفية.

نظر إليه قصير القامة بفانيلته وبنطاله وسحنته الخليجية، كأنه زبون دائم، أو كان غائبًا منذ فترة، لا يعرف؟ بدأت عينه تراقب حركاته بعد أن قام فجأة وبدأ يرمي الورود من يد تلك النادلة الأثيوبية على صدور الغانيات حين لم يجد هو ذلك الشراب على المنضدة، واستمرّ الآخرون يُلقون تلك الورود مع تلك الموسيقى الصاخبة وهم يتمايلون بشهوة مزيفة لإرضاء شهوات المشاهدين.

لكنّ صالحاً أخذ جزءًا من تلك السهرة، سأله في خياله: هل أنت راضٍ عمّا تفعل؟

ربما شعر بطيبة صالح الزائدة التي ملأت روحه الضائعة (مثله)، بينما هو يراقب تلك الراقصة وأرادفها الملتصقة الملتحمة في اهتزازٍ دائمٍ لا تستقرّ مع صخب المكان، صالح كان مراقبًا ومرتقبا أيضًا الخطوة القادمة، حين وجد فتاة أخرى أجنبية جلست بالناحية الأخرى تنظر له بتودّدٍ في فقر جمالها.

نظرْ إلى صالح يذهب المرة بعد الأخرى ومن معه يطرحون تلك الورود على تلك الأجساد والصدور العارية إلّا أنّ دخول العربيات بعباءتهنّ المكتنزات بأردافهنَّ، كان المشهد الآخر له وهم يجلسون أمامه، وهو ينظر ردود فعل الآخرين، ينظر إليهم واحداً بعد الآخر، وصالح كان أحدهم حين وجد المشهد عاديًا وأكثر من عادي، ربما كان فقط هو المتبلّد بينهم، وهم في خمار العقول مع تلك الكؤوس، بدأت إحداهنّ تدخن تلك السيجارة، لكنّ مغادرتهنّ كانت سريعة.

نظر إلى القوارير التي كان يشربها، كانت أربعاً، لكنّه كان ينوي شرب ستٍّ منها، حتى يغادر نهاية السهرة، لكن كان يتساءل بينه وبين نفسه هل تلك الغانيات والراقصات سعيدات فيما يفعلن؟

الجواب: ربما! وربما قلّة الحيلة أسبابها مدفونة في أنفسهنَّ وليست في كنوز أردافهنّ الجميلة. هي قناعة لم يقتنع بفعلهن مع السبب الذي غادر فيها منزله فكانت القارورة السادسة نهاية الحفلة إذ اشتعلت الأنوار المضيئة وهو ينظر إلى صالح، قال في نفسه: كيف وجدتَ نفسك يا صالح بعد تلك الزهور التي ألقيتها بإرادتك؟

ربما المغادرة كانت حتمية وهو يغادر وسلامه على صالح بأحلام سعيدة والجميع يتأهّب للمغادرة وصالح لم يجد تلك الغانيات بينه بعدما فعل؟

لكنّ أحلامه استمرّت بحلمٍ لن يجد طريقه مع تلك السّلالم في بهو الفندق، وهو يجد من ينتظر تلك العاهرة أن تجد لها رفيقاً في مخدع واحد، لكنّ السّلطة العاشرة هو نوم الإبل حتى الصباح.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد