العنصري الأصيل والعنصري البليد

حديث الأحد …

د. ماءالعينين سعد.

وانا جالس في المقهى أتناول قهوة الصباح، صباح يوم الأحد، قمت أطالع حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، ورجعت لمنشور لي سابق، أقرأ التعاليق وأجيب على بعض منها قدر المستطاع، فأثار انتباهي تعليق يتحدث عن أهل منطقة ما داخل المغرب ويصفهم بوصف غير طيب، من نوع الكلام العنصري الذي توصف به شريحة ما من المجتمع في إطار الأحكام المسبقة، فتذكرت مقال كنت قد كتبته منذ سنوات حول موضوع العنصرية، فقلت لما لا أشاركه هنا معكم … فإليكم نصه :
مقتل المواطن الأمريكي الأفريقي الأصل “جورج فلويد” 25 ماي المنصرم على يد الشرطي الأبيض “ديريك شوفان” بمدينة “مينيابوليس” بولاية “مينيسوتا” شمال الولايات المتحدة الأمريكية، أعاد الى العلن الحديث عن العنف البوليسي، ومعه الفكر العنصري ومدى تأصله عند البعض في هذا العالم … !

يقول الكاتب الفرنسي “جورج برنانوس” :
“Ce qu’ exige tôt ou tard le plus fort, ce n’ est pas qu’ on soit a ses côtés mais dessous”

والترجمة التقريبية لكلام الرجل:
“في آخر المطاف ما يطمح له الأقوى ليس من يقف بجنبه بدرجة متساوية، بقدر ما يحتاج لمن يكون تحت سلطته وأمره” .

ومن هذا المنطلق، وبما أن “الولايات المتحده الامريكية” هي الى حد الساعة هي أقوى دولة في هذا الكوكب، فمن المنطقي أن تنظر للعالم من فوق لتحت، ومن هذا المنظور أيضا ف 70 في المئة من سكانها من البيض، وهم الغالبية، وهم الأكثر غنى والأكثر سيطرة على مقاليد الحكم والسياسة والاقتصاد هناك، من المنطقي (ولا أقول من العدل أو من الأخلاق) أن يحسوا بأنهم الأقوى في “أميركا”، والأعلى قيمة وقدرا بالمقارنة مع باقي الشعب الأمريكي من الأصول الأخرى كالسود واللاتينين، والهنود الحمر و … !

وهذا النوع من العنصرية هو متوقع (ولا اقول إنساني) من طبقة اجتمعت بين يديها جميع مقومات القوة المادية… !

ولكن من جهة أخرى كذلك، نجد الأمريكي (الأبيض والأسود والأصفر ومن كل الألوان الأخرى التي لديها جنسية الأمريكية) يمارس العنصرية على كل شعوب العالم، فيعتبرون الأوروبيين مجرد توابع لهم، والصينيين مجرد ماكينات بشرية آكلة للحشرات ولا يستحقون مكان مناسب في الحضارة الانسانية، ويعتبرون الروس هَمَج غير متحضرين، والعرب الأغنياء مجرد أبقار حلوب، وباقي دول العالم مجرد أراضي للحروب قد يخوضونها بشكل مباشر او غير مباشر، ليستفيدوا من دماء شعوبها، تلك الدماء الغير أصيلة كما هو الدم الأمريكي الراقي والغالي الثمن.

وفى مقالب اخرى ومناطق اخرى من العالم، تجد الأوروبيين يتعالون على بعضهم البعض و يتعالون في ثقافة جماعية على الأفارقة، ويعتبرونهم مجرد قردة، وأرانب تجارب، يستبيحون ثرواتهم و خيراتهم …

والصينيون كذلك يستغلون ما يشاؤون من الخلق، من الدول الضعيفة والفقيرة كيفما يشاءون، ومتى ما اتيحت لهم الفرصة، ويعتبرون كل من سِوَاهُم مجرد حاويات نفايات يلقون فيها بعضا من الأزبال التي تنتجها مصانعهم …

وإن وصلنا للسيد الروسي، فعلاقته بدول آسيا الوسطى، والدول التي كانت في الماضي تابعة له تحت مظلة “الإتحاد السوفياتي” كعلاقة السيد بالجواري، يتمتع بهن متى ما يشاء، وكيفما يشاء، ومتى ما اعترضت إحداهن يُخْرِجُ لها العصا الغليظة ..!

وأخيرا “بني العرب” فما يحدث بين الدول الغنية والفقيرة هو عنصرية من نوع جد خاص، فتجد “طال عمره وطال جيبو” يعتبر من “قَصُرَ جيبو وضَعُفَ حالو” كالمومس يأخذ منها كل شيء، ويُرْضِيهَا ببعض الدولارات، ومتى ما أرادت ان تتذكر ان لها شرف وتتخلص من قيده الشوكي، يُسَلِّط عليها “عرص” وهذا “العرص” يذيقها الويلات حتى تعود لحضنه وطاعته “طال عمرو” …!
و”العرص” في الثقافة المصرية القديمة كانت تقال لحارس بيوت الدعارة …!

وفي آخر القائمه تأتي الدول الفقيرة والضعيفة، العربية منها، و غير العربية، وما يجري داخلها من عنصرية بين المناطق والقوميات والأديان والقبائل، حيث الكل يدعي نقاء الدم، والتفوق العرقي على الآخرين، وهو لا يعي انه هو والآخرين في بلده في نفس السلة مجتمعين، ومن نفس المستوى، وأن الكثير من شعوب العالم أعلى منهم شأنا وقيمتا، وما هم جميعا الا توابع التوابع …!

وبالرجوع للسيد الأمريكي الأبيض الذي ذكرناه في أول المقال، بمكانته العالمية وقدراته الحصرية الى حد الساعة، هو الوحيد المخول له منطقيا (ولست اقول إنسانيا) أن يحس انه الأعلى في سلم الانسانية، وعنصرية بعض افراده لها بعض المنطق، وممكن ان تجد لها مبرر …!

وأما باقي خلق الله، فلا أجد لعنصريتهم أي منطق، وهم فوقهم من فوقهم من الشعوب السيدة المقتدرة، إلا أنهم مصابون بنوع من التبلد الفكري، والمرض النفسي، والعُقَد التي تُمَارَسُ عليهم من فوق، فيبحثون عن من هو أضعف منهم ليمارسوها عليه بدورهم !

فشتان بين العنصري الأصيل المقتدر، والعنصري المستضعف البليد … !

وحفظنا الله وإياكم من الظلم ومن العنصرية بجميع أشكالها وأصنافها ومصادرها …

إنتهى المقال …
وانتهى معه كوب قهوة الصباح، صباح يوم الأحد وإلى الاسبوع المقبل إن شاء الله … في أمان الله.

(ان أعجبك شاركه )

بقلمي :Maelainin saad

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد