أنقذوا الصومال

مليار دولار أمريكي لإنقاذ الصومال من المجاعة خلال الأشهر المقبلة.. أكثر من 500 ألف طفل صومالي يواجهون خطر الموت جوعا.. أكثر من 6 ملايين مواطنا صوماليا يتعرضون لانعدام الأمن الغذائي بين شهري أكتوبر وديسمبر المقبلين.. أكثر من 300 ألف شخص أصبحوا لا يملكون شيئا ومقبلون على السقوط في “بئر الجوع” بسبب الجفاف.. أكثر من مليون شخص تركوا منازلهم بحثا عن الماء والغذاء.. المنظمة الدولية للهجرة وصلت إلى 700 ألف صومالي فقط منذ بداية العام وتحتاج إلى 50 مليون دولار أمريكي لتتمكن من مساعدة 2.5 مليون نازح صومالي بنهاية عام 2023.

أرقام مفزعة وحقائق مرعبة عن واقع الصومال.. هذا البلد العربي الأفريقي الواقع في منطقة القرن الأفريقي والتي تعد واحدة من أفقر مناطق العالم وتوترا بسبب العمليات الإرهابية التي تنفذها التنظيمات المتوطنة في تلك المنطقة.

فقد ناشدت منظمات الأمم المتحدة المعنية بأزمة المجاعة المرتقبة دول العالم بالاستجابة الفورية لتقديم الدعم المالي اللازم لإنقاذ أطفال الصومال وذويهم من مجاعة محققة بسبب عوامل عدة أهمها التغيرات المناخية؛ حيث تعاني الصومال من مواسم متتالية لم تسقط فيها الأمطار مما ألحق الجفاف بالأراضي ونفوق الماشية التي تعد أحد أسباب الدخل الرئيسية للأسرة الصومالية في الأرياف. كما أن العمليات التي تنفذها حركة الشباب الإرهابية في الصومال تزيد من تراجع التنمية في البلد المأزوم منذ عقود طويلة، وما زاد من تصاعد الأزمة في الصومال كحال بقية دول العالم الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا والتي أدت لارتفاع أسعار الحبوب والغلال والتأثير على سلاسل الإمداد العالمية باعتبار أن روسيا وأوكرانيا من أكبر موردي الحبوب في العالم.

إن أزمة المجاعة التي تشهدها الصومال ومتوقع استفحالها بين شهري أكتوبر وديسمبر المقبلين ترجع مسؤوليتها إلى كل دول العالم، وخاصة الدول الصناعية الكبرى التي كانت الصانع الأكبر في التغيرات المناخية التي يعيشها العالم بفعل الأنشطة الصناعية لتلك الدول التي تفرض سيطرتها على العالم اقتصاديا وسياسيا.. وها هي الصومال، دولة فقيرة وضعيفة، لا تملك من حدوث التغيرات المناخية سوى التصحر الذي ضرب أراضيها، وموت أطفالها، ونفوق ماشيتها، ونزوح الأطفال والنساء والمسنين سائرين تحت أشعة الشمس الحارقة بحثا عن الماء والغذاء وبعض الخدمات الإنسانية المقدمة من مخيمات الإغاثة الأممية والتي تعاني هي الأخرى من قصور شديد في إدارتها، فليس لديها تمويل كافٍ ولا هناك معلومات متوفرة للمواطنين عن كيفية الوصول إلى هذه المخيمات، فهناك ضغوط شديدة على خدمات هذه المخيمات، علاوة على صرف صحي ردئ المستوى.

إن قمة المناخ المرتقب انعقادها في مدينة شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية في نوفمبر المقبل لجدير بها أن تتبنى أزمة المجاعة الصومالية الناتجة بشكل رئيسي عن التغيرات المناخية، كما يجب أن تقدم الحلول لهذا البلد المأزوم التي تساهم في إنقاذ المزارع والماشية في الصومال من خلال خبراء البيئة والزراعة والتغير المناخي، فالصومال أقل الدول في انبعاثات الغازات الكربونية التي تعد السبب الأول في حدوث التغير المناخي الذي يشهده العالم، ومع ذلك تدفع فاتورة باهظة من شعبها وأطفالها وثروتها الزراعية والحيوانية.

إن الصومال دولة عربية عضو في جامعة الدول العربية، ودولة أفريقية عضو في منظمة الاتحاد الأفريقي، وأيضا عضو في منظمة الأمم المتحدة وسيلقي رئيسها حسن شيخ محمود، المتواجد حاليا في أمريكا خطابا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعاتها السنوية متوقع أن يطالب المجتمع الدولي بدعم بلاده في مواجهة أزمة المجاعة المتفاقمة، وكذلك الدعم الأمني والعسكري في حربه ضد الإرهاب مع حركة الشباب المنبثقة عن تنظيم القاعدة. وهنا لا بد من ملاحظة ابتعاد جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي بشكل كبير عن دولة الصومال وحمل ملفاته كملفات رئيسة في الاهتمام كحال الدول الكبرى عربيا وأفريقيا، فلا تزال الصومال دولة منسية في محيطها العربي والأفريقي وتحتاج إلى شديد الأهمية ببحث أزماتها وقضاياها الشائكة من خلال الاجتماعات الطارئة على مستوى وزراء الخارجية سواء عربيا أو أفريقيا، فمن المخزي أن نرى دموع الألم (جوعا وموتا) على وجوه أشقائنا في الصومال ونحن في موقف المشاهدين تاركين الساحة للاعبين الإقليميين أن يستأثروا باللقطات المصورة لتقديم مساعدات هزيلة، وهنا تسبق دولة كتركيا الأشقاء العرب ويذهب رئيسها وحرمه لتقديم حزمة مساعدات وبينهما أطفال الصومال في صورة يحرص فيها الغازي التركي على ترجمتها من قاموس الإنسانية.

إن الصومال الذي يعاني أزمة غذائية حادة وأزمة مع الإرهاب منذ أكثر من 15 عاما، بدأت وكالات ومنظمات الأمم المتحدة تصرخ لجمع التمويل اللازم لإيقاف أكبر أزمة مجاعة لم تشهدها منطقة القرن الأفريقي منذ نصف قرن، ومع ذلك وفي مفاجأة مخزية تعلن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” بأنها لم تتلقى سوى 3% فقط من التمويل طويل الأمد لمساعدة الأسر في مواجهة أزمة المناخ.

أما منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” فقد أكدت أن أكثر من 15 منطقة مصنفة بأنها مناطق يصعب الوصول إليها بسبب حالة الطوارئ المفروضة، وأن نصف الشعب الصومالي مقبل على خطر انعدام الأمن الغذائي.
أما المنظمة الدولية للهجرة فتؤكد نزوح الكثير ممن فقدن مزارعهم وماشيتهم بحثا عن الغذاء في أماكن أخرى، فلم تعد الأراضي قادرة على إنتاج الغذاء. إن الأزمة تتفاقم، ولا أحد يريد أن يسمع أو يلقي ببصره على أطراف الصومال، بينما يجتمع بعد شهرين قادة الدول الأطراف لاتفاقية تغير المناخ.. فهل منهم من ينقذ الصومال؟!

بقلم: حاتم عبد القادر

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد