مشروع ثقافي للأئمة لمواجهة التحديات المطروحة على الإسلام في ألمانيا

عقد بمدينة فرانكفورت الألمانية، الثلاثاء الماضي، لقاء لتقديم حصيلة مشروع التكوين والتأهيل اللغوي والثقافي للأئمة المغاربة في ولاية هيسن الألمانية (2015 -2017)، الذي أطلق بشراكة بين مجلس الجالية المغربية بالخارج والمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة ومعهد غوته الألماني، و الذي استفاد منه أزيد من 40 إماما معظمهم مغاربة يمارسون في مجموعة من المدن التابعة لولاية إيسن الألمانية.

و تحدث المسؤولان عن معهد غوته، سبستيان جونا وعبد الصمد اليزيدي، في كلمة لهما بالمناسبة عن فكرة المشروع الذي انطلق من سؤال يتكرر باستمرار حول دور الأئمة في السياق الأوروبي، وما توجه لهم من سهام المسؤولية في فشل اندماج بعض المسلمين في هذه المجتمعات من دون التفكير في الكيفية التي من خلالها يمكن دعم هذا الإمام فيما يجب أن يكون عليه.

و أشار المتحدثان، عن تخوفاتهما في بداية انطلاق المشروع من عدم استجابة الأئمة،  لكن الحضور والمشاركة في المشروع لمدة سنتين، أظهرا الهمة العالية والاجتهاد والتفاني الذي يضطلع به الإمام وخصوصا الإمام المغربي في ألمانيا.

و ألقى قنصل المغرب في فرانكفورت، محمد أشغالو، كلمة له بالمناسبة نيابة عن السفير المغربي في برلين، منوها فيها بهذه المبادرة التي ساهمت في فتح آفاق جديدة للأئمة من أجل الحوار والنقاش الإيجابي البناء عبر التمكن من آليات جديدة للتواصل والمعرفة، موضحا أن التمكن من اللغة الألمانية “أمر مهم بالنسبة لأي إمام من أجل إيصال مبادئ الإسلام الأصيل والدين السمح الوسطي خصوصا إلى فئتي الشباب والنساء وتمكينهم من تربية منفتحة تستمد أسسها من مرجعية دينية ومن القيم الكونية”.

واعتبر القنصل العام أن أهمية المشروع تكمن أيضا في تمكين الأئمة المشاركين من التنظيم الأمثل للممارسات الدينية مع الحياة الدنيوية وتأطيرهما معا بما ينسجم و المبادئ المشتركة بين الحضارات والديانات، مستحضرا في ذات السياق مضامين الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب لسنة 2016 بحث أمير المؤمنين الجالية المغربية المقيمة بالخارج ليكونوا في طليعة المدافعين عن الأمن والسلام في بلدان إقامتهم، والوقوف في صف واحد لمواجهة التطرف والانغلاق.

من جهته، وضع الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عبدالله بوصوف، في مستهل كلمته بهذه المناسبة، أن المشروع يندرج في سياقه الجيو -سياسي و المجتمعي، حيث يأتي هذا اللقاء الختامي لمشروع التأهيل اللغوي والثقافي للأئمة في ظروف مقلقة  تتزامن مع الانتخابات الألمانية الأخيرة التي عرفت بروز اليمين المتطرف في البرلمان الألماني بأطروحاته الرافضة للهجرة والاندماج، وأيضا أسابيع قليلة بعد هجوم برشلونة الإرهابي الذي شارك فيه أحد المدعين للإمامة وما طرحه ذلك من نقاش حول دور الإمام في التأطير الديني في المجتمعات الغربية.

و أوضح بوصوف إن حرص الأئمة على المشاركة في المشروع ومواظبتهم على حصصه وراشته طيلة سنتين، دليل على رغبتهم في التواصل مع المجتمع وفي الحصول على أدوات محاورة المجتمع والانخراط في حوار إيجابي معه وفهم إشكالياته، و تأطير الشباب التأطير السليم الذي يقدم الإسلام الحقيقي الداعي إلى التعايش وإلى السلم وإلى ازدهار بلد الإقامة والبلد الأصلي.

و نوه  الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج بالدور الذي يقوم به المغرب في التأطير الديني والذي يجسده مثل هذا المشروع الذي لم يأتي كرد فعل على العمليات الإرهابية ولكنه برنامج استباقي واستشرافي، يبرز إحساس الدولة المغربية بضرورة تأهيل الإمام، وتزويده إلى جانب معارفه الشخصية، بالأدوات العلمية والخلفيات الاجتماعية والإنسانية والفلسفية للمجتمع الذي يعيش فيه ، داعيا في الآن ذاته الأئمة المشاركين إلى التواصل مع المجتمع والإجابة على الأسئلة العالقة ومحاصرة التطرف الذي يريد أن ينسب إلى الدين ما ليس منه.

كما عبر الدكتور عبد الله بوصوف عن رغبة المجلس في أن يكون هذا المشروع التجريبي الأول من نوعه في أوروبا، بداية لمشاريع أخرى سواء من ناحية تعميم هذا النموذج في مختلف التراب الألماني أو تمديده ليشمل دول أوروبية أخرى، و أضاف: “لأننا نريد أن يقوم الإمام بالادوار المنوطة به في تناسق مع المجتمع، لاعتقادنا بانه لا تنافر بين الإسلام وبين قيم المجتمعات الغربية التي يتواجد فيها”.

و في السياق ذاته، قال خالد حجي، الأمين العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة، عن التحديات التي يعيشها المسلمون في أوروبا و التيتعيش بدورها أزمة هوية، مما يفرض الوعي بالدور الذي ستلعبه الجالية المسلمة في بناء أوروبا الغد، ومن بين التحديات المطروحة حسب ما ذكره خالد حاجي، كيفية الارتقاء بالإمام إلى المكانة الاعتبارية التي يتميز بها رجال الدين في أوروبا حتى يصير في مصاف رجال الدين في الديانات الأخرى.

و اعتبر خالد حاجي، أن اللغة جسر ضروري للتمكن من مفاصل الثقافة الألمانية للتفاعل مع المجتمع وتقديم النصح له بكافة أطيافه، أمام الأسئلة الوجودية المطروحة حوله، والمسؤوليات الأخلاقية التي يفرضها تسارع وثيرة الحياة على رجال الدين من أجل الارتقاء بالتجربة الإنسانية في تفاعل مع طبيعة العصر، على اعتبرا أن الامام مطالب بالتقاط ثقافة عصره وتجديد مقاييسه والاستنباط من الثقافات الأخرى تماما كما فعل العلماء من قبل للرقي بالمسلمين.

وأكد الأمين العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة أن اللغة في حد ذاتها لا تكفي، والأهم في تصوره هي الاستفادة من المنظومة الدينية والأخلاقيةالتي ننهل منها، و أضاف قائلا:” وهي منظومة متسمة بالوسطية والتسامح والتعامل مع الغير واحترام الاختلاف، وهو ما يتماشى مع البيئة الأوروبية التي تقتضي الانفتاح على جميع مكونات المجتمع “.

هذا، و سلمت شهادات تقديرية للمشاركين في هذا اللقاء في مشروع ” التأهيل الثقافي للأئمة”، و ذلك بحضور الأئمة المشاركين وعدد من الفاعلين الجمعويين المغاربة في ألمانيا وممثلين عن معهد غوته في ألمانيا.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد