قانون المالية التعديلي..بين مخاوف الإحتقان الإجتماعي ومتطلبات تحقيق التوازنات الماكرو إقتصادية

خلق مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 جدلا واسعا في أوساط الإقتصاديين والسياسيين والمتتبعين للشأن الإقتصادي، في ظل تداعيات جائحة كورونا على النشاط الاقتصادي الوطني، التي ستتجاوز تلك الناتجة عن الأزمة المالية لسنة 2008، حسب آخر تقرير للمندوبية السامية للتخطيط.

ضمن سياق المخاوف الكبرى المدفوعة بالتحولات الماكرو والميكرو إقتصادية التي فرضتها الجائحة، والتي حاول القانون التعديلي للمالية الذي صادق عليه مجلس النواب، في جلسة عمومية، مساء يوم الاثنين 13 يوليوز، بالأغلبية، تقديم أجوبة للحد منها،  أكد الخبير الإقتصادي عمر الكتاني، في تصريح للمصدر ميديا، أن قانون المالية التعديلي “لم يكن في مستوى التحديات التي فرضتها الجائحة على الإقتصاد الوطني، معتبرا ان عددا من بنود القانون “غير مكتملة”.

وأضاف الكتاني أن قانون المالية المعدل ركز في مجموع بنوده على الطابع المركزي لقراراته، فيما غاب عنه الطابع اللاممركز في ظل وضعيات الخصوصية المجالية، التي تبقى ضمنها المصالح اللاممركزة واللامركزية الأقرب إلى  تقديم أجوبة تدبيرية بإمكانها إيجاد حلول لواقع عدد من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي فرضتها الجائحة.

وتابع الخبير الإقتصادي أن القانون أقر 15 مليار درهم لإعادة إنطلاق الإقتصاد الوطني، في الوقت الذي عبر فيه الاتحاد العام لمقاولات المغرب على أن الإقتصاد الوطني يحتاج لـ 80 مليار درهم لإنطلاقه، وهو ما يعني ان الإعتمادات المرصودة في هذا الباب تبقى بعيدة كل البعد عن مطالب الشركاء الإقتصاديين.

وإعتبر الكتاني ان مشروع المالية المعدل كان من المفترض أن يتجه صوب ترشيد نفقات التسيير التي تكلف الخزينة العامة اموال طائلة، والبحث عن بدائل حقيقية من خلال الدفع نحو رفع اعتمادات الإستثمار التي ستمكن من ضخ أموال مهمة ستساعد في تجاوز الأزمة المعلنة.

وفي ذات السياق، اكد نور الدين مضيان رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أن مشروع قانون المالية المعدل “لا يرقى إلى تطلعات وانتظارات المواطنين، واستشراف المستقبل، في تصريح للمصدر ميديا، على ان مشروع القانون  “لم ياتي بأي جديد”  بل فقط إكتفى بنقل إعتماد من هذا القطاع إلى ذاك القطاع، من خلال “حلول ترقعية تؤسس لأزمة إجتماعية حقيقية في المستقبل، قد تهدد السلم الإجتماعي ببلادنا” ، موضحا ان الحكومة لم تجتهد ولم تبتبكر في إيجاد الحلول المطلوبة لتجاوز الوضع الذي فرضته الجائحة، بل إكتفت بالحلول السهلة التي يمكن ان يقوم بها أي إداري، ذون الحاجة إلى حكومة سياسية”،

وأوضح مضيان أن “القانون التعديلي جاء خاليا من اي إجراء يرمي إلى ضمان الحماية الإجتماعية والقدرة الشرائية للمواطنين والرفع من مناصب الشغل، في إطار متطلبات المرحلة، بتحولاتها وتحدياتها ورهاناتها الجديدة ضمن التوازن المالي للدولة بأبعاده الاقتصادي والاجتماعي.

وإعتبر مضيان أن مشروع قانون المالية التعديلي لسنة 2020 يبقى مشروعا ترقيعيا بامتياز، ولا يرقى إلى تطلعات وانتظارات المواطنين، واستشراف المستقبل، وبناء مغرب ما بعد كورونا، بعد ان زاغ عن اهدافه التي كان من المفترض أن تشكل مدخلا لإعادة النظر في الاختيارات و والاستراتجيات خصوصا الإجتماعية منها، وأن يشكل فرصة ثمينة لبناء مغرب ما بعد كورونا، مغرب العدالة الاجتماعية، وتكريس التوازن المجالي، في إطار سياسة تنموية مندمجة تضع المواطن المغربي في صلب إهتماماتها.

وشدد مضيان على أن الفريق النيابي للوحدة والتعادلية  بعث بمقترحات كان من شأنها أن تساهم في تحسين مضامين هذا المشروع، وإغنائه من خلال تقديم مجموعة من التعديلات، تستجيب لمتطلبات المرحلة، وتكريس البعد الاجتماعي، ، خصوصا ما يتعلق بدعم القدرة الشرائية، وخلق فرص الشغل…، غير أن الحكومة تعاملت مع جلها بمنطق الرفض، عندما جعلت من هاجس التوازن المالي الضيق أولوية مشروع القانون المالي المعدل، ولو على حساب التوازن الاجتماعي، والبعد التنموي، عندما قلصت الاعتمادات المرصودة للتنمية القروية والجبلية، وعائدات الجماعات من الضريبة على القيمة المضافة بأكثر من 7 مليار درهم، الأمر الذي يطرح تساؤلا بشأن مدى اهتمام الحكومة بالتنمية المحلية، وتبخيس دور الجماعات في القيام بالمهام المنوطة بها في تدبير الشأن المحلي، بالنظر للدور الهام الذي اضطلعت به في تدبير هذه الجائحة والتصدي لمخاطرها، هذا في الوقت الذي تعاني فيه ساكنة العالم القروي والمناطق الحدودية من مخلفات الجفاف، وتداعيات جائحة كورونا”.

بدورهم عبر اقتصاديو حزب الاستقلال عن وجهة نظرهم فيما يتعلق بمشروع القانون المالية التعديلي لسنة 2020، معتبرين أن المشروع ”لا يقدم أي تصور واضح” لمواجهة “التداعيات الكارثية والتأثيرات السلبية” للأزمة التي فرضتها جائحة كورونا على المغرب.

وأكدت رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، عبر بلاغ لها، أن المشروع (القانون) ” لا يقدم أي تصور واضح لمواجهة الأزمة؛ فلا هو مشروع يستند على سياسة تقشفية، ولا هو مشروع لدعم العرض، ولا هو مشروع لدعم الطلب، بل لا يرتقي الى مستوى تقديم خطة ناجعة وفعالة بأولويات متجددة، ووسائل مُحَدَدة لإنعاش الاقتصاد الوطني. فهذا المشروع لا يُبَين السُبُل القَمِينَة لتأمين المستوى المتوخى لمعدل التنمية الاقتصادية وفرص الشغل، بهدف الحد من التداعيات الكارثية والتأثيرات السلبية للأزمة الصحية”.

وأوضحت الرابطة أن مضامين المشروع المذكور، تكشف عن “غياب توجه إرادي من طرف الحكومة للاستجابة لتطلعات وانتظارات الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، حيث أن هذا المشروع لم يتضمن، كما كان منتظرا، تدابير تهدف الى الحفاظ  والحد من تقهقر القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة الطبقات المتوسطة، وتأمين الحد الأدنى من الدخل للطبقات السوسيواقتصادية التي فقدت مصادر دخلها، وإنقاذ المقاولة خصوصا الصغيرة والمتوسطة، وأن مشروع القانون التعديلي يشكل استمرارية لنفس الأولويات الاقتصادية والاجتماعية التي تأسست عليها ميزانية 2020، من دون أي مراجعة للأولويات التي أملتها الظرفية الحالية واستعمال أنجع للموارد واستهداف أمثل للنفقات، خاصة من خلال التحكم في نمط عيش الإدارة”.

وحذرت الرابطة بخصوص المعطيات المرقمة لمشروع قانون المالية التعديلي، من بعض المعطيات التي “لا تُعَبِر عن مدى الهزة التي تعرض لها الإطار الماكرواقتصادي الوطني بسبب الأزمة الصحية حيث تشير تطورات القطاعات الإنتاجية، وباحتساب التراجع الكبير المسجل في الإنتاج الفلاحي، أن معدل تراجع الاقتصاد الوطني سيتجاوز -6 % برسم سنة 2020، عوض -5% التي توقعتها الحكومة”، مؤكدة أن “معطيات تنفيذ قانون المالية إلى غاية نهاية ماي 2020 والتراجع الكبير المسجل في المداخيل الجبائية، أن عجز الميزانية المرتقب نهاية السنة، سيناهز 8% من الناتج الداخلي الإجمالي. ومن دون احتساب الرصيد الصافي للحساب الخصوصي المحدث من أجل التصدي لتداعيات الأزمة الصحية “كوفيد 19″، فإن عجز الميزانية برسم سنة 2020، قد يفوق 9 %من الناتج الداخلي الإجمالي”.

كما سجلت الرابطة “نية الحكومة اللجوء المكثف للاقتراض، حيث أن مشروع القانون التعديلي رفع سقف الاقتراض الداخلي الإضافي الى 76 مليار درهم وسقف الاقتراض الخارجي الإضافي الى 60 مليار درهم، وهو ما سيرفع معدل الدين العمومي الى حوالي 90% من الناتج الداخلي الاجمالي. وفي هذا الإطار، وبهدف الحفاظ على السيادة الاقتصادية الوطنية، تناشد رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين الحكومة ضرورة الاستغلال الامثل للقروض واستهداف تمويل المشاريع المنتجة اجتماعيا واقتصاديا من أجل تنمية محلية مستدامة (فك العزلة القروية فيما يخص الطرق والماء والكهرباء والصبيب الرقمي، وتعميم التجهيزات الطاقية المستدامة…)”.

وصادق مجلس النواب، في جلسة عمومية، مساء يوم الاثنين 13 يوليوز، بالأغلبية على مشروع قانون المالية المعدل رقم 35.20 للسنة المالية 2020.

ويهدف مشروع القانون، الذي حظي بموافقة 67 نائبا ومعارضة 44 آخرين، إلى توفير آليات الدعم المناسبة للاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي، والحفاظ على مناصب الشغل، مع مواكبة ذلك بإجراءات عملية للرفع من فعالية الإدارة، وذلك بالاستناد إلى ثلاثة مرتكزات أساسية تتمثل في مواكبة الاستئناف التدريجي للنشاط الاقتصادي؛ والحفاظ على مناصب الشغل، وتسريع تنزيل الإصلاحات الإدارية.
وكان وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون، قد شدد، في معرض جوابه على تدخلات الفرق والمجموعة النيابية خلال المناقشة العامة لمشروع القانون، على أن البعد الاجتماعي حاضر بقوة في إطار مشروع قانون المالية المعدل للسنة المالية 2020.
وقال بنشعبون، في هذا السياق، إن هذا النص “هو مشروع قانون مالية معدل لقانون المالية للسنة المالية 2020، وبالتالي فهو يشكل استمرارية للأولويات الاجتماعية التي حددها قانون المالية السنوي، بل يشكل تعزيزا وتقوية لهذه الأولويات من خلال توطيد التدابير المتخذة لدعم قطاع الصحة، وتقوية القدرة الشرائية للأسر المغربية، ودعم المقاولة من أجل الحفاظ على مناصب الشغل”.
وأبرز الوزير أنه عكس ما يتم تداوله، فالمقاربة المعتمدة من طرف الحكومة بعيدة كل البعد عن التقشف أو تدبير التوازنات التي تبقى ضرورية على أية حال، مسجلا أنه بالرغم من التراجع المتوقع للموارد بحوالي 40 مليار درهم، فقد تم الرفع من استثمارات الميزانية العامة للدولة بـ7,5 مليار درهم، من خلال إعادة ترتيب الأولويات على مستوى النفقات.
ولفت إلى أنه لم يتم تقليص نفقات الاستثمار بالقطاعات الاجتماعية، بل ستتم مواصلة الاستثمار في هذه القطاعات بالوتيرة ذاتها، مضيفا أن ما تم القيام به بصفة عامة على مستوى نفقات الاستثمار تجلى في اعتماد برمجة جديدة لميزانية الاستثمار للقطاعات الوزارية والمؤسسات، تراعي الآثار المترتبة عن الأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، عبر مراجعة الجدولة الزمنية لإنجاز بعض المشاريع، وذلك بالنظر لتباطؤ وتيرة تنفيذها، وكذا تأجيل مسطرة إطلاق البعض الآخر نتيجة لعدم توفر الشروط الضرورية لذلك، من قبيل إنجاز الدراسات وتصفية العقار.
وياتي التصويت على قانون المالية التعديلي، في ظل تنبأت بان  يشهد الاقتصاد الوطني سنة 2020 ركودا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين من الزمن، نتيجة التأثير المزدوج للجفاف الذي تعرفه بلادنا وتفشي وباء فيروس كورونا في العالم بأسره. ويتوقع أن تخلف هذه الأزمة عواقب وخيمة على النشاط الاقتصادي الوطني، ستتجاوزت تداعياتها تلك الناتجة عن الأزمة المالية لسنة 2008، حيث ينتظر ان تفقد البلاد جراء الوضع  712 ألف منصب شغل سنة 2020،  مما سيدفع نحو ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني إلى حوالي %14,8، أي بزيادة5,6 نقطة مقارنة بمستواه المسجل سنة 2019، حسب أخر تقارير المندوبية السامية للتخطيط.
قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد