المصدر ميديا : عبدالله المتقي
يعتبر فن الملحون من الفنون الشعبية الخالدة التي تؤسس للهوية المغربية ، مما جعله لونا غنائيا خاصا بالمغرب لا يوجد له مثيل في العالم ، وإذا كان الطرب الأندلسي فنا مرتبطا بطبقة اجتماعية محدودة ،فإن فن الملحون ظل ديوان المغاربة ،وارتبط حميميا بالإنسان البسيط ولهجته القريبة إلى الفصحى ، وكذا عاداته وتقاليده الشعبية ، ليكون بذلك خير تعبير عن تفاصيل وجغرافيات حياته اليومية ، وخير كتاب شفوي يعبر عما يخالج هذا الإنسان في أعماقه .
وقصائده باللهجة ( الدارجة ) المغربية التي لهجتنا الأم وبالرغم من التطورات التي لحقت بالساحة الغنائية محليا وعربيا وكونيا ، فقد ظل فن الملحون محتفظا بأصالته ، واستطاع أن يؤسس له ذاكرة وتاريخا ، مما جعلته يبقى علامة بارزة في تاريخ الفن الشعبي المغربي الأصيل.
وفي هذا الصدد يعتبر المسرحي والباحث في التراث الشعبي عبد المجيد فنيش فن الملحون :” ” رافدا أساسيا من روافد الذاكرة الفنية المغربية بحكم تجذره في تاريخ الحضارة المغربية وارتباط مضامينه وأشكاله بطقوس الحياة اليومية في المغرب منذ أكثر من ستة قرون”.
لماذا سمي بفن الملحون ..؟
سمي كذلك لان نوع موسيقي ، وهو شعر بالدارجة المغربية واللغة الأم ، وسمي بالملحون لأنه يلحن في اللغة العربية ، ينقض قواعدها ، ولا يحترم ضوابطها الإعرابية ، ، كما قيل إن أصل تسميته يعود إلى كونه لا يمر بعملية التلحين ، حيث أن الشاعر يكتب قصيدته ملحنة وعلى قياس من القياسات فتغنى مباشرة دون المرور بعملية التلحين بحكم وجود مقاييس عروضية وميزانية تفسح للشاعر أن يقول على الملحون نوع موسيقي يتميز به المغرب عن باقي البلدان العربية، وهو شعر عامي قريب إلى العربية الفصحى لكن من غير احترامه لقواعد الإعراب فقط. وقد سمي بهذا الاسم لأنه يلحن في اللغة العربية، أي أنه لا يحترم كل قواعدها وضوابطها، كما قيل إن أصل تسميته يعود إلى كونه شعراً يصدر عن صاحبه ملحنا بحكم وجود ضوابط عروضية وميزانية تحتم على الشاعر أن يقول على منوالها كلاما ملحنا منذ الوهلة الأولى.
وجوق الملحون عادة مايتكون من مجموعة من الأفراد بزي تقليدي ، جلباب وطربوش أحمر ، ويوظفون من الآلات الموسيقية : الكمان ، و”التعريجة ” ، العود ، الوتار ، الرباب .
البنية الإيقاعية لفن الملحون
وبخصوص المكون الإيقاعي لهذا الفن الأصيل الغنائي ، نسجل أن موسيقاه تبنى فيه على ثلاثة جمل موسيقية ، ولهذا يسمى الذي يؤدي القصيدة منشدا لا مغنيا ، أما بحور هذا الشعر الشعبي فمتعددة، لكن من ” أبرزها المسمى المشرقي ذو البنية الشطرية التقليدية صدر وعجز، وهناك بحور أخرى ، يكتب عبد المجيد فنيش أنها :” ذات جذور أندلسية قريبة في بنياتها إلى بنيات الموشحات، وأخرى تشابه في بنياتها بنيات المقامة النثرية المسجوعة، وهذا النوع ينقسم إلى قسمين، الأول يسمى مكسور الجناح والثاني يسمى السوسي الذي قد يكون اسمه الحقيقي هو السلوسي أي الكلام المتسلسل السلس الذي كما سبق شبيه بتسلسل كتابة المقامة العربية.”
أغراض شعر الملحون
نظم شعراء الملحون في كثير من الأغراض الشعرية مع اختلاف في تسمية الغرض ، فالشعر الديني نجد شاعر الملحون قد ابتدع فرعا سماه «التوسل» وآخر «المحمديات» وآخر «صاح آل البيت»، وكل تصب في مدح الرسول وآل بيته ، ثم الغزل أو «العشاقي» (كلمة مشتقة من العشق)، ثم شعر الطبيعة الذي تم تفريعه إلى ” ذهبيات” وهي أشعار تخصص لوصف غروب الشمس ، وإلى ” ربيعيات ” وتتخصص في وصف الربيع…
ومن أكبر شعرائه الذين تتم تسميتهم في حضيرة الملحون أو شيوخه كما يتم تسميتهم في حضرة الملحون ، نذكر التهامي المدغري وسيدي قدور العلمي والجيلالي متيرد ومحمد بن علي ولد الرزي ومحمد بن سليمان وأحمد الغربلي ومحمد الگندوز وإدريس بن علي وغيرهم كثير..
هكذا يمكن اعتبار فن الملحون بمدن مكناس وسلا وفاس ومراكش فنا تاريخيا لصموده أكثر من ستة قرون ، رافدا أساسيا من روافد الذاكرة والحضارة المغربية ، وقريبا من طقوس الحياة اليومية في المغرب ، لكن ونحن نسدل الستار ، ومساهمة منا في استمرارية هذا الفن وضمان استمراريته وبقائه ،فإنه مطالب بأن يعصرن ذاته ويطورها ويجعلها قادرة على استيعاب الجديد تكنولوجياً ومعرفياً وأن يساير مجتمعه ويعبر عن قضاياه بأشكال ووسائل تتناسب مع كل ظرف على حدة.” يقول الباحث المغربي عبدالمجيد فنيش.
موضوع ملفت شكرا لميديا والكاتب