المصدر ميديا : عبدالله المتقي
في المغرب، ثمة نسيج موسيقي حافل بأنواع وأشكال من التعبيرات المتعددة والمختلفة ، وتختلف مرجعياتها الإثنية والثقافية والتاريخية واللغوية ، ولعل أبرزها فن “العيطة” ذي الأصول العربية والمغربية ، حيث يعتبر تراثا موسيقيا تقليديا و الأكثر انتشارًا وقِدَما في المغرب ، مما يعني أن لهذا الفن جذورا في التربة المغربية،بل ويمتزج به حاليا ما هو عربي وما هو أمازيغي.
وفي نفس السياق يرى الباحث محمد بندراز أن ا التراث الموسيقي المغربي يتكون من محورين ، موسيقى عالمة تستقر في المدن والحواضر كالموسيقى الأندلسية والملحون والأغنية العصرية، وموسيقى شعبية وتتموقع في البوادي والقرى ، ونمثل لها بفن “العيطة” ، التي تستقي مواضيعها من الحياة الاجتماعية للإنسان المغربي وغالبا ما تتناول مواضيعهم وقصائدهم العشق والمتعة والذم والتغني بالجمال و بالطبيعة ، ومن رموزها
معنى العيطة
” العيطة” كلمة مأخوذة من ” العياط ” ، وتعني الصياح- النداء- الاستغاثة، بصوت جهوري لإثارة اهتمام وانتباه الغير ، واستنجاد القبيلة بالسلف لتحفيز واستنهاض همم الرجال واستحضار الغناء ، والملكة الشعرية .
وبالعودة الى المصادر الأولى لفن ” العيطة ” نجد أن كلمة ” عيطة ” أطلقت في بادئ على النداء الذي كان يعمد إليه أحد أفراد الفرقة للإخبار بمجيء الفرقة ،كما تطلق ” العيطة ” على الأغنية الشعبية المغربية البدوية النشأة والكلام الحافل بالغناء الشعري وأنماطه وأشكال أدائه، ويؤديها الإناث والذكور في مناطق متنوعة من الجغرافية المغربية كالشاوية ودكالة بالأساس ، مرورا بامتداد السهول الوسطى للساحل الأطلسي والمناطق المتاخمة كالحوز وزعير على وجه الخصوص.
وصنفها المهتمون بهذا الفن إلى ثلاثة أشكال :العيطة المرساوية ، والحوزية والملالية ،إلا أن الحفريات الحديثة في ذاكرة الأغنية الشعبية المغربية أقرت بوجــود فروع أخرى يعتبرونها أساسية ،كالحصباوي والزعري ، ومنها ما هو فرعي كالخريبكي والورديغي والجيلالي والساكن
الطقوس المصاحبة
غالبا ما تحط الفرقة الغنائية الرحال في البادية قبل أذان العصر بمناسبة احتفالية ” زواج ، ختان ، موسم” وتتعمد نصب خيمتها قريبا من أحد الأعيان والكرماء ، وساء وبعد انتهاء أهل البادية من مشاغلهم ، تبدأ الاستعدادات ، بإشعال الأضواء تساوقا مع إشعال النار لتسخين ” البنادير والطعاريج” المصنوعة من جلد الماعز ، وبعدها يعمد شيخ الفرقة بتسوية أوتار آلته ثم الشروع في العزف ، والآلة الموسيقية تكون ” كمنجة ، أو نايا أو مزمارا ، أو كنبري” ، حيث يتحلق المتفرجون ،و تبدأ ليلة الاحتفاء بتحلق المحبــــين حول الخيمة فتعزف الفرقة بعض الأغاني وغالبـا ما تكون الدخلة “الافتتاحية” ، بأغنية مرساوية أو حصباوية أو حوزية حسب المنطقة ، ويسدل الستار برفع الكفوف للدعاء بالخير للمضيف ولكل من ساهم في إنجاح هذه الاحتفالية أو بماتيسر من المال.
أنواع العيطة
أنواع العيطة خمسة و هى:
– العيطة الجبلية و ي ، وتعمر هذه العيطة القسط الأوفر من أقاليم الشمال
– العيطة الغرباوية و تتسم بطابع الحزن والآهات الأسىو نجدها في الجهة الغرببية
– العيطة المرساوية و تعد من أعذب أنواع العيطة، و نجدها في الأقاليم المحيطة بالدار البيضاء و سطات
– العيطة الحوزية وهي خفيفة في الإيقاع و البساطة في التراكيب ، و نجدها في حوز مراكش وقبائل الرحامنة وحوض أم الربيع
– العيطة الحصباوية وتتميز بإيقاعات مركبة ، ونجدها في قبائل عبدة و نواحي آسفي
أهل العيطة وآلاتهم الموسيقية
تتكون الفرقة الموسيقية من :
الكمنجي وقد يكون عازفا للكنيري ، ويطلق عليه ” الشيخ ” ، ثم “الطعارجي” ويسمى الميزان ، ثم الضارب على آلة الطر ، ثم مجموعة من “الشيخات” وظيفتهن الرقص، تترأسهن الشيخة المعلمة وظيفتها الضرب على الطر ، أو طعريجة صغيرة ، كما أنها ذاكرة وخزان لأنواع العيوط وبراويلهاــــــــــاء
وفن العيطة شأنه شأن باقي الفنون، له آلاته الخاصة التي تميزه ، وتنقسم إلى نوعين، آلات الإيقاعية،ثم آلات وترية. وتختلف أنواع هذا الفن باختلاف هذه الآلات، وتجدر الإشارة إلى أن المواد التي تصنع منها هذه الآلات تختلف حسب المناطق، ومن هذا الآلات نذكر :
الكمنجة آلة بأوتار من أمعاء الماعز أو الجمال ، النويقسات وهي آلة مصنوعة من المعدن أو النحاس ، تعريجة كبيرة وصغيرة مصنوعتان من الطين ، والبندير وهي آلة إيقاعية . .
خاتمة
ولا يفوتنا في نهاية هذه الورقة استحضار بعض من رموز هذا الفن المغربي بصيغة المذكر والمؤنث ، من أمثال المارشال قيبو،بوشعيب البيضاوي ، فاطمة الزحافة ، محمد العواك وزهرة خربوعة صوت زعير ، عبدالله البيضاوي ، ساتصا ، فاطمة الحمونية ، والشيخة خربوشة «مولاتْ الكلام الموزون»، المعروفة ومتداولة بين سكان عبدة ودكالة. قاومت جبروت السلطة، و انحازت إلى قبيلتها المظلومة ، وهجت القائد بنعيسى بكلام حارق سارت به الركبان ، وهذا العناد وهذه المقاومة فتحت شهية المخرج المغربي حميد الزوغي ليحولها الى السينما .