أثار موضوع “الحريات الفردية” مؤخرا جدلا كبيرا بين الإسلاميين والعلمانيين على خلفية الموقف منها، ووجهت انتقادات شديدة إلى تيار الإسلام السياسي، بل إلى الإسلام ذاته، بمخاصمة منظومة حقوق الإنسان الدولية، وبشكل خاص، ما يصطلح عليه بالحريات الفردية، بدعوى جمود النص وعدم قدرته على الإنفتاح على الحريات المدنية المستندة إلى مرجعية إنسانية يؤطرها الحق في الحرية كمعطى طبيعي ينفلت من عقال تطويق النص الديني ويستكين إلى أسبقية الحرية عن الحق وضرورات إستجابة التشريع الوضعي (القانون) لغايات ضمان ممارستها في إطار الحق في إستعمال الحرية كمعطى طبيعي مؤطر إجرائيا بنص القانون الضامن لضرورات حمايتها والمطوق لإمكانية تصادمها.
في هذا الإطار فتحت المصدر ميديا حوارا صحفيا مع الكاتب المغربي الحسين الموس، صاحب كتاب “الحريات الفردية.. تأصيلا وتطبيقا”، وذلك في محاولة لبيان موقع الحريات الفردية في النسق الإسلامي العام، وعلاقة ذلك بقيم المجتمع الإسلامي وآدابه، وإمكانيات إنفتاحه على المطالب المدنية التي ترفعها الحركات والتيارات الليبرالية المتحررة.
- ما المعنى الذي تحيل عليه الحريات الفردية شرعا؟
الحريات الفردية تعنى حق الفرد في التصرف وفق ما تمليه عليه قناعته واختياراته في الحياة. وقد أعلى الشرع من قيمتها وجعلها أساس التكليف. فلا تكليف دون اختيار حر وصريح. وتشهد نصوص الكتاب والسنة والقواعد الشرعية لأهميتها ولضرورتها.
ففي القرآن الكريم يقول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [البقرة: 256]. وهي قاعدة كلية لا تلغيها مسائل الأعيان . وفي السنة النبوية روى ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنه: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ، وَالنِّسْيَانَ، وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ».ومن القواعد الشرعية المستلهمة من ذلك قولهم: “الْإِكْرَاهُ يُسْقِطُ أَثَرَ التَّصَرُّفِ فِعْلًا كَانَ أَمْ قَوْلًا“.
ومن جهة أخرى فإن المجتمع في نظر الشريعة متضامن ومتكافل في الحفاظ على هويته وعلى قيمه، وله من خلال مؤسساته أن يضع من القوانين والتشريعات التي تعين عليه حفظ الحريات الفردية والحيلولة دون جور بعضها على بعض، ودون إلحاق الضرر بهوية الأمة ومقوماتها، ونحن نعلم أن كل الدول تحمي مقومات وجودها، وتضع له الأسس التربوية والتعليمية التي تسهم ترسيخها بين أفراد المجتمع وخاصة الناشئة.
- ما إمكانيات إنفتاح الشرع على الحريات الفردية كما تؤطرها وتسطرها المرجعيات الدولية لحقوق الانسان؟
عندما نتحدث حول مرجعيات حقوق الانسان ينبغي الانتباه إلى أن الشريعة الاسلامية ترحب بالكسب البشري فيه، وترى نسبة كبيرة منه لا تتعارض مع قيم الدين التي جاءت لتعلي من كرامة الانسان، ومن حقوقه المشروعة، لكن وجب التنويه أيضا إلى حق كل أمة في حفظ خصوصياتاها ومقومات دينها، ومن يزعم بوجود تصور كوني موحد حول قضايا الحريات الفردية فهو خاطئ، ويكفي جرد وضعيات العلاقات الجنسية الرضائية والاجهاض والميولات المثلية للتأكد من الخلاف بين الدول بشأنها، بين مضيق وموسع في التمكين منها، ويكفي مراجعة قوانين الاجهاض في الولايات المتحدة أو في الاتحاد الأوروبي للوقوف على ذلك.
ومن ثم فإن الشريعة لا ترى مانعا في إطار تعزيز الحريات الفردية من فتح مزيد من النقاش حولها، وذلك بإشراك كل الفاعلين من علماء وأخصائيين وجمعيات حقوقية، وينبغي طرح ذلك من خلال مقاربة شمولية تروم تحقيق الانسجام بين الحريات الفردية وبين هوية الأمة والحفاظ على القيم والمبادئ.
ففي مسألة العلاقات الجنسية مثلا نرى الشريعة أعلت من شأن العفة، ودعت إلى تلبية الغريزة الجنسية في إطار نظيف ومسؤول هو العلاقة الزوجية، لكنها في نفس الوقت لا تبحث عن خصوصيات الناس، وإنما تكتفي بدعوة من وقع في شيء من ذلك خارج الشرع إلى عدم إظهاره صيانة للأسرة ولمقومات وجودها، ومناقشة ذلك يجب أن يتم في تناغم بين مدونة الأسرة وما تروم تحقيه، وبين بقية المواثيق والقوانين.