وأنا احتسي قهوة الصباح، صباح يوم الأحد، وقفت غير بعيد من المقهى الذي أجلس فيه، سيارة من نوع “maserati” جميلة الشكل، فضية اللون، ونزلت منها إحدى السيدات القاطنات في العمارة التي يوجد بها المقهى، والسيدة “راقصة معروفة في المدينة” واسمها “نجاة” واختارت لنفسها اسم فني “نجوى” …
نزلت من سيارتها بخطوات متسارعة نحو مدخل البناية وهي ترتدي عباية سوداء، وخمار أسود، ونظارات سوداء … سواد في سواد، بعد سواد الليل الذي قضته هذه المخلوقة في الرقص للسكارى على أنغام “نسيت النوم وأحلامو …” !
إنتهى هذا المشهد القصير بعد دخول “نجوى” للعمارة فرفعت عيني صوب التلفاز المعلق أمامي لأرى مشهد آخر ورقص من نوع آخر …
برنامج يتحدث عن الانقلاب الذي حدث مؤخرا بدولة الغابون، والمشهد كان للرئيس المؤقت لدولة الغابون وهو جنرال في الحرس الجمهوري، يؤدي القسم الدستوري ليتسلم حكم البلاد رسميا، خلفا للرئيس “علي بونغو” الذي انقلب عليه منذ فترة هذا الجنرال نفسه الذي كان من المفترض أنه رئيس حرسه وحاميه الأول …
وعندما انتهى “الجنرال” من تأدية مراسم التنصيب بحضور حشد كبير من الشخصيات والمسؤولين، قفز الجميع من كراسيهم وانطلقوا في وصلة تصفيق حارة، وأجسادهم تتمايل ابتهاج واحتفالا بالحدث … !
وغالبا هذه الشخصيات نفسها، كانت تدين بالولاء للرئيس السابق المخلوع “علي بونغو” ومما لا شك فيه أن كانت تطرب وتتراقص لمجرد رؤيته والوقوف بين يديه، ولما طار من منصبه، تنكروا له بكل سهولة وبساطة …
نفس الشيء حدث ويحدث مع الكثير من الزعماء والقادة والمسؤولين، الكبار والصغار …
ولازلت أتذكر النشيد الذي كان يؤديه المطربون الموريتانيون للرئيس المخلوع السابق “معاوية ولد سيد أحمد الطايع” وفي نص الأغنية الجملة التالية “محال الشعب ينسى عهدو” أي أن وفاء الشعب للرئيس لن يتغير مهما حدث … وما هي إلا أسابيع قليلة بعد صدور هذه الأغنية حتى تمت الاطاحة به، وتسلم الحكم من بعده العسكر الذين أطاحوا به، وصفقت لهم الناس ورقصت لِمَقْدَمِهِم، وهم كذلك تمت الاطاحة بهم بدورهم بعدها، وتكررت نفس مشاهد التصفيق والتطبيل والرقص ومن نفس المطبلين والراقصين … !
وهذا كذلك قد يحدث حتى مع أصغر مسؤول في أصغر إدارة، فترقص الناس لرؤية سحنته المنيرة، وطلعته البهية، وما أن يطير من كرسيه، حتى يقوم أكثر الناس الذين كانوا يتملقونه بالبصق بصقا على ذكراه …
ومثال عليه، حالة وقفت عليها بنفسي لبرلماني سابق ورئيس بلدية كبير، كان ذا نفوذ وجاه، يأمر فيطاع، وعندما يجول في طرقات المدينة يسرع نحوه المواطنون للسلام عليه والتبرك بلمس يديه، لدرجة أنه عندما كان يقوم بزيارة لدوار من الدواوير التابعة لنفوذ جماعته، تستقبله الساكنة بالطبل والرقص والورود، ويغدق الأموال والمنافع على الاتباع ويعاقب معارضيه أشد عقاب، وبعدما تبدل الحال، وفقد كرسيه في البرلمان، وطار مقعده في رئاسة البلدية، أصبح منبوذا، لا يلتفت إليه أحد، لدرجة أنني رأيته في أحد الأيام جالس في أحد المقاهي في طاولة لوحده، والناس يمرون من أمامه ولا يلتفت إليه أحد، ولا يلق التحية عليه مخلوق، وحيدا، حقيرا، ذليلا، والحقيقة أنني أشفقت على حاله … ولكن ما العمل ؟ فهذا حال الدنيا !
الراقصة “نجوى” ترتكب إثم التلاعب بعقول سكارى اختارو أن يسلموا لها مقاليد عقولهم ربما لأمسية أو لليلة واحدة، فتأخذ هي الثمن، وينالهم هم وجع الرأس عندما يستفيقون في النهار الموالي، وتنتهي القصة على ذلك عسى الله أن يتوب على الجميع يوما ما …
وأما مجاميع الراقصين الآخرين فهل هناك من أمل في توبتهم يوما ما ؟
وإلى الاسبوع المقبل .