بقلم: ذ مزيوي رشيدة*
يظهر من الخطاب الملكي التوجيهي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس اهتمامه المتواصل والعميق بشؤون مغاربة العالم، حيث يعكس هذا الخطاب إرادة ملكية سامية تسعى إلى تعزيز الروابط بين المغاربة في الخارج ووطنهم الأم، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات والمتطلبات التي تواجه الجالية المغربية في المهجر. في هذا السياق، أعلن صاحب الجلالة عن ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات المعنية بالجالية المغربية في الخارج، بهدف ضمان التنسيق الفعّال بين هذه المؤسسات، وتحديد اختصاصاتها بشكل دقيق لتلبية احتياجات الجالية المتغيرة.
من بين هذه المؤسسات، مجلس الجالية المغربية يُعدّ إطارًا دستوريًا مستقلًا يُعنى بتقديم الاقتراحات والتفاعل مع قضايا المغاربة المقيمين في الخارج. وقد دعا صاحب الجلالة إلى الإسراع في إخراج الإطار القانوني الجديد للمجلس لتعزيز فعاليته في تقديم الاستشارات والتفاعل مع التحديات التي تواجه الجالية. فعلاً، لقد أظهر المجلس تفاعلًا كبيرًا مع عدد من هموم المغاربة في الخارج، وأخص هنا بالذكر مجال التعليم، حيث تم فتح أبواب الدراسة عن بُعد وتطوير برامج أكاديمية متخصصة. على سبيل المثال، الشراكة التي أُقيمت بين المجلس وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، التي أدت إلى إنشاء ماستر “الدين والثقافة والهجرة”، الذي أتاح لي شخصيًا فرصة نيل شهادة متميز. هذه التجربة تُعدّ نموذجًا حيًا لما يمكن أن يتحقق عندما تتضافر الإرادة مع الجهود الجادة لتلبية احتياجات مغاربة العالم.
إضافة إلى ذلك، يبرز في الخطاب الملكي التوجيه لإحداث المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج، وهي مؤسسة جديدة منتظرة سيتم إحداثها وفقًا للتوجيهات الملكية السامية. ستُعدّ هذه المؤسسة الذراع التنفيذي للسياسات العمومية المتعلقة بمغاربة العالم، وسيساهم دورها بشكل رئيسي في تنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين المعنيين بالشأن المغربي في الخارج. تهدف هذه المؤسسة إلى تنظيم البرامج التي تهم الجالية المغربية، مع التركيز على التأطير الديني والثقافي، بما يتماشى مع الهوية المغربية المنفتحة والمتسامحة، والتي تميزها عن النماذج الأخرى السائدة في بعض الدول الغربية. من المتوقع أن تساهم المؤسسة في ضمان التنسيق الفعّال بين مختلف البرامج والمبادرات التي تهدف إلى تعزيز الهوية الوطنية للمغاربة في الخارج.
المؤسسة المحمدية للمغاربة المقيمين بالخارج ستتولى أيضًا تجميع الصلاحيات المتفرقة بين عدة فاعلين، وتنظيم تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية المتعلقة بشؤون الجالية. ستكون هذه المؤسسة بمثابة مركز تنسيق يشرف على تنمية العلاقات بين المغاربة في الخارج ووطنهم، ويعمل على تعزيز انخراطهم في السياسات العمومية الوطنية.
في سياق مرتبط بمضامين الخطاب الملكي، تُعدّ الأكاديمية الدولية لمغربيات الخارج (AIME)مبادرة مستقلة من المجتمع المدني المغربي في الخارج، لتتفاعل بشكل إيجابي مع التوجيهات الملكية والمضامين التي وردت في الخطاب الملكي. الأكاديمية هي منصة غير حكومية أُسست على يد مجموعة من الكفاءات المغربية المقيمة في الخارج بهدف تعزيز التأطير الثقافي واللغوي والديني للجالية المغربية.
تسعى الأكاديمية إلى تجميع الأفكار والمقترحات من مغربيات الخارج من مختلف التخصصات، وتقديم استشارات تتعلق بالقضايا التي تهم الجالية المغربية في المهجر، بما في ذلك التعليم والاندماج الاجتماعي. من خلال الأنشطة واللقاءات التي ستقوم بها، لتساهم في دعم الهوية المغربية في الخارج وتعمل على تحسين وضعية المغاربة في البلدان المضيفة. وتعتبر الأكاديمية من بين المبادرات المدنية الهامة التي تسعى إلى التفاعل مع السياسات الوطنية والمساهمة في تعزيز حضور مغاربة العالم في مختلف المجالات.
وقد أشار بيان الأكاديمية إلى بعض أعضاءها وأقتبس منه “أن هذه الأكاديمية تضم وجوهاً مغربية بارزة مقيمة وتنشط في مجالات متعددة ومتكاملة خارج الوطن، ومنها:
وجوهاً مغربية بارزة مقيمة وتنشط في مجالات متعددة ومتكاملة خارج الوطن، ومنها:
وفاء أمهادي: مهندسة داخلية ،مقاولة، فاعلة جمعوية، المملكة المتحدة.
عائشة مفيد: مقاولة، مرشدة نفسانية ومقاولاتية، ألمانيا.
كريمة قدوري: مهندسة متخصصة في تخطيط المدن، صحفية، فرنسا.
سناء الديري: استاذة جامعية، دكتورة أخصائية في الأمراض الجينية النادرة للأطفال، فرنسا.
مونية علالي: باحثة جامعية في الإسلام الأوروبي، مكلفة بالعلاقات مع الجامعات العربية، إيطاليا.
حسناء شهاب: مساعدة اجتماعية، منسقة مراكز استقبال المهاجرين، عضو فريق الاندماج بالسجون الإيطالية.
سامية الوسعيدي السعيدي: خبيرة في الاستشارات المالية والاستثمارية، إسبانيا.
رشيدة مزيوي: باحثة جامعية في قضايا الهجرة والأسرة والطفل، إيطاليا.
حفيظة مقدم: مقاولة ومصممة أزياء تقليدية، إيطاليا.
آمال الودني: ممرضة، إيطاليا.
نورة السويسات براوكمان: عضو مجلس الإندماج في مونستر، فاعلة جمعوية، ألمانيا.
سعيدة جلول: سيدة أعمال، إيطاليا.
سناء راكع: مدربة في الوعي الأنثوي، إيطاليا.”
وأخيرا، فإن الالتفاتة الملكية تضع مغاربة العالم في قلب الاهتمامات الوطنية، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة للمساهمة في بناء وطنهم وتعزيز مكانتهم في مختلف المجالات. إن هذه الخطوات الملكية تؤكد على أهمية تحسين التنسيق بين المؤسسات المعنية بشؤون المغتربين وتدعيم أواصر العلاقة بين المملكة وجاليتها في الخارج.
* مغربية مقيمة في إيطاليا، باحثة جامعية وفاعلة جمعوية تهتم بقضايا الأسرة والطفل.