“أنا مكتئب” أو “أشعر بالكآبة”، كلها عبارات نقولها عندما نكون في حالة مزاجية سيئة أو نمر بظرف صعب، لكن أغلبنا لا يعرف الماهية الحقيقة لـ”مرض الاكتئاب” وآثاره على فئة عريضة من المجتمع حاولت الانتحار أو فكرت فيه على الأقل بسبب صعوبة الأفكار السوداوية التي غالبا ما يصفونها إما بـ”الكلب الأسود” الذي يقف فوق ظهورهم أو بـ”الأفعى” التي تلتهم أرواحهم.
علميا يعتبر الاكتئاب اعتلالا عقليا يعاني فيه الشخص من الحزن والمشاعر السلبية لفترات طويلة، وفقدان الحماس وعدم الاكتراث، وتصادفه مشاعر القلق والحزن والتشاؤم والذنب و ضيق في الصدر مع انعدام وجود هدف للحياة، مما يجعل الفرد يفتقد الواقع والهدف في الحياة، ويقدر عدد المصابين به عالميا بـ350 مليون فرد وهو عدد لا يستهان به، خاصة أن عددا كبيرا لا يعترفون بالاصابة به بسبب وصمة العار التي ترافق المرض خاصة في الدول المتخلفة.
ولمعرفة مرض الاكتئاب بشكل أعمق، سيقترب “المصدر ميديا” من المصابين به لكي يقربونا أكثر من معاناتهم اليومية، كما سنتطرق لتحليل الطب النفسي للمرض وانعكاسه على الفرد والمجتمع.
أسماء-الدار البيضاء
“مررت بفترات حزينة في طفولتي”، هكذا بدأت أسماء، الطالبة الجامعية البالغة من العمر 22 سنة، والمنحدرة من مدينة الدار البيضاء قصتها مع الاكتئاب، حيث أكدت أنه عندما كانت في 18 من العمر وُضع اسم لمرضها وتم تشخيصه على أنه مرض “الاكتئاب”، لكنها اعتبرت مرضها بدأ منذ الطفولة لأنها قرأت قصائد كتبتها انذاك تتحدث عن الحزن.
في ذات السياق، قالت “أسماء” في تصريحها لـ”المصدر ميديا”: “في أول مرة زرت الطبيب بعد اكتشاف انني مريضة اشتريت سما لانتحر به وكان السبب انذاك هو ان ابي فرض علي شعبة لم اكن اريدها فتخليت عن الاجتهاد بينما كنت غالبا ما أحصل على الرتبة الاولى طوال سنوات دراستي، ورغم ذلك تعالجت، لمدة سنة لم افكر في الانتحار وبعدما وقفت الأدوية باستشارة الطبيب بـ4 اشهر انتكست مرة ثانية واكتئبت هذه المرة بسبب شخص كان يلفق الاكاذيب وينسج قصصا تضرب في شرفي على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الغريب في الامر ان الانتكاسة الثالثة كانت بدون أي سبب يذكر، وكان الأمر في اواخر سنتي الثالثة بالجامعة حينما كنت اعد البحث.
وعن انتكاساتها المتكررة، أردفت “أسماء” قائلة: “تعالجت مرة اخرى لمدة سنة، ثم انتكست أربع مرات هذه السنة، الأمر الذي جعلني افقد الامل في العلاج، خاصة بعد تشخيصي بمرض ثنائي القطب، لكن حاليا اصبحت شبه متأكدة ان الامر لا علاج له، وانني لن اعانق للحياة و حبها مرة اخرى”.
فيصل-مراكش
من “أسماء”، ننتقل لـ”فيصل” من مراكش، وهو شاب يبلغ من العمر 25 سنة ويشتغل في مجال المعلوميات، عانى من مرض الاكتئاب مباشرة بعد وفاة والده، حيث أكد لنا أنه عاش فترة عصيبة بعد أن توفي والده بمرض السرطان خاصة أن علاقتهما كانت مميزة، الأمر الذي أدخله في “نفق مظلم” على حد وصفه.
اعتبر “فيصل”، أن الفترة التي حطمه فيها الاكتئاب هي الأسوأ في حياته، لأنه فقد الاحساس بطعم الحياة ولم يعد يشعر بقيمتها، الشيء الذي دفعه للقيام بمحاولة الانتحار باستعمال العقاقير في سنته الأولى بالجامعة، هذا التصرف اعتبرته أسرته ناقوس خطر وإشارة تدل على معاناة ابنهم النفسية، لذلك قرروا اللجوء لطبيب نفسي، الذي شكل نقطة فارقة في مساره لأنه ساعده بكل الوسائل العلاجية لتجاوز مسألة وفاة والده، حيث تحسنت نفسيته بعد أشهر من العلاج وأسترجع حياته الطبيعية.
رأي الطب النفسي
في تصريح لـ”المصدر ميديا”، أكد الاخصائي النفسي المصطفى يطو أن من بين الاسباب المؤدية إلى الانتحار نجد الاكتئاب والسوداوية بإعتبارهما عوامل ذاتية وأمراض عقلية، حيث أن الاكتئاب مصنف ضمن الامراض العقلية المؤدية للإنتحار وليس بمرض نفسي كما هو شائع ونفس الشيء بالنسبة للسوداوية.
وشدد يطو على أن الاكتئاب يسبب لصاحبه مزاج حزين ويخفض من معنوياته ويحد من النشاط الحركي للشخص الشيء الذي يولد فكرة اللجوء إلى الانتحار شيئا فشيئا خاصة وأن السوداوية تطغى على التفكير فتلك اللحظة.
كما اعتبر الاخصائي النفسي أن الشخص عندما يفقد المتعة عند قيامه بالعديد من نشاطاته التي كانت تسعده من قبل فإنه في تلك الحالة يصبح الشخص يعاني من الاكتئاب الذي يتطور مع المدة لتكون نتيجته الانتحار خاصة وأن الشخص يفقد الامل في الحياة بصفة عامة.