يعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بالمغرب، من التقاليد المتجدرة التي دأب عليها المغاربة منذ قرون عدة، رغم تعدد النقاشات والفتاوى والآراء حول الشرعية الدينية للاحتفال بهذه المناسبة.
السياق التاريخي لاحتفال المغاربة بعيد المولد النبوي الشريف
تعود عادة احتفال المغاربة بمناسبة ذكرى عيد المولد النبوي إلى عهد الموحدين الذين حكموا المغرب في فترة ما بين 500 و600 هجرية، حيث عملوا على تخليد مناسبة المولد النبوي الشريف كخطوة للتصدي لخطر المسيحيين في بلاد الأندلس والذين كانوا يحتفلون بعيد ميلاد المسيح، ولكي لا تؤثر احتفالات المسيح على المسلمين، قرر الموحدون تخصيص ذكرى المولد النبوي باحتفالات تليق بمقام النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأصبح الخليفة الموحدي المرتضى يحيي ليلة المولد النبوي، وثبت أن الموحدين كانوا يحيون هذه الذكرى الدينية بحفلات القرآن والأناشيد والشعر.
ويذكر التاريخ أن الخليفة يعقوب بن عبدالحق المريني هو أول خليفة احتفل بالمولد النبوي وأقام حفلا في مدينة فاس، كما أصدر ظهيرا ينص على اعتبار عيد المولد النبوي عيدا رسميا ليتم تعميم هذا الاحتفال بالمغرب.
احتفالات المغاربة بالمولد النبوي
يحيي المغاربة ذكرى المولد النبوي بعادات وتقاليد وطقوس وخصوصيات تختلف حسب المناطق والتي تبرز التنوع والغنى الذي تزخر به الثقافة المغربية.
عند حلول الفاتح من شهر ربيع الأول وإلى غاية الثاني عشر منه وهو يوم الاحتفال بالعيد، تنطلق الاحتفالات بمختلف مظاهرها تعظيما لمولد الرسول الكريم، حيث تقام في عدد من مساجد المملكة بين صلاتي المغرب والعشاء دروس في السيرة النبوية وأمداح نبوية وموشحات دينية وغيرها من الاحتفالات، وعند اقتراب موعد صلاة الفجر من يوم العيد يقام حفل آخر ينطلق بقراءة الأمداح النبوية والتي تستمر إلى غاية الوقت الذي ولد فيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ( قبل صلاة الفجر) وتستمر الاحتفالات بعد صلاة الفجر.
ولعل أبرز احتفال لدى المغاربة، عادة مترسخة يحرصون على إحيائها منذ زمن طويل وهي ليلة “الميلودية”، إذ تقام هذه الليلة في البيوت من طرف بعض العائلات والأسر المرتبطة بمظاهر التصوف محبة في الرسول الكريم، كما تعد مناسبة لتجمع الأسرة والعائلة، حيث تفتتح بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وقراءة الأمداح والمواويل.
ومن بين أبرز المدن المغربية التي تحتفل بعيد المولد النبوي، مدينة مكناس لكونها تحتضن ضريح الشيخ الهادي بنعيسى أوالشيخ الكامل ( شيخ الطريقة العيساوية)، الذي يعد أحد رجال الطرق الصوفية، حيث تحيي عدد من الفرق العيساوية موسم هذا الشيخ تزامنا مع ذكرى مولد خير الأنام، وتأتي فرق عيساوة من مختلف مناطق المملكة أياما قبل حلول العيد تقيم في خيام قرب الضريح، لتنطلق الاحتفالات يوم العيد بموكب الفرق العيساوية بقرع الطبول وزغاريد النساء وترديد الأمداح و غيرها من مظاهر الاحتفال طيلة ثلاثة أيام.
وإلى جانب العاصمة الإسماعيلية مكناس، يعد حفل موكب الشموع أو”دور الشمع” الذي يقام في مدينة سلا التي تقع على ضفاف نهر أبي رقراق، من أبرز احتفالات الشعب المغربي بذكرى عيد المولد النبوي، حيث كان هذا الموكب يجوب مدينة مراكش وفاس سابقا في عهد السعديين وانقطع بعد ذلك، لكن استمر هذا الموكب بمدينة سلا وذلك بعناية أحد أقطاب الطريقة الجزولية الشاذلية وهوالشيخ عبدالله بن حسون صاحب أشهر زاوية بمدينة سلا، الذي عمل على ترسيخ هذا التقليد مع إضفاء بعض الخصائص المغربية عليه، كاعتماد شموع مربعة الشكل كشكل الصوامع المغربية. ومنذ ذلك الفترة إلى اليوم، مازالت مدينة سلا تحافظ على هذا الموروث الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من التراث المغربي بل وأضحى استعراضا كرنافاليا متعدد الأبعاد.
وتولي ساكنة مدينة سلا اهتماما بالغا لموكب الشموع، حيث تقوم عدد من جمعيات المجتمع المدني بتنظيف مسار الموكب ودعوة المشاركين وتنظيم أنشطة أخرى تقام على هامش الحفل الرسمي، حيث ينطلق الموكب من دار الصانع بباب سبتة ويمر على عدد من أحياء “المدينة القديمة” ليصل إلى باب المريسة، ثم يستمر الموكب في طريقه إلى دار الشرفاء الحسونيين ويتم نقل الشموع إلى ضريح عبدالله بن حسون، كما تقام منصة رسمية لاستقبال الزوار وأنشطة ثقافية موازية كحفل رقصة الشمعة على نغمات الموسيقى الأندلسية.
وللمرأة المغربية دور رئيسي في الاحتفال بعيد المولد النبوي، حيث تسهر على إعداد مائدة الإفطار يوم العيد بشتى أشكال الحلويات المغربية التقليدية و”الشهيوات” المرافقة لها الخاصة بهذه المناسبة، كما يفرح الأطفال بارتداء الألبسة التقليدية المغربية كالجلباب والجابادور، كما ترافق هذه الذكرى النبوية حركة تجارية غير عادية، حيث يكثر بيع البخور التقليدي الذي يقام في هذه المناسبة والمأكولات والألبسة التقليدية وغيرها، إضافة إلى تبادل العائلات للزيارات والتهاني طيلة اليوم في مظاهر احتفالية رائعة تزيد من قيم التآزر والتكافل الاجتماعي كسائر الأعياد الدينية.