فيلم “إلى روما مع الحب”، “To Rome with love” يحكي فيه المخرج والسيناريست الأمريكي وودي ألن قصة رجل إيطالي بسيط يعيش حياة مملة، يستيقظ يوما من نومه، فيجد نفسه فجأة محط الأنظار، وملاحقا من عدسات المصورين ولقاءات الصحافيين، إذ أصبح بين ليلة وضحاها مادة لاهتمام الناس دون أن يقدم شيئا له معنى يستحق تلك الهالة.
قصة فيلم وودي ألن تشبه تماما قصة “إكشوان إكنوان”، ذلك الشاب الذي يدعى مصطفى صديق، نطق اسم فيروس “أنفلونزا الخنازير” “H1N1” بشكل خاطئ في “ميكرو طروطوار”، ليصبح الشاب الثلاثيني المغمور بعدها حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي ومحط تهافت العديد من المنابر الإعلامية التي تسارعت وسط تنافسية شديدة لنقل أخبار “شاب البوز” وإجراء حوارات معه خاضت في تفاصيل كثيرة من حياته الشخصية، الشيء الذي جلب له شهرة واسعة لم يكن أبدا يحلم بتحقيقها في يوم من الأيام.
مواقع التواصل الاجتماعي: التركيز على التفاهة وصناعة سفهاء المشاهير
“فايسبوك” و”الأنستجرام” وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، أصبحت وحدها كفيلة بجعل من هب ودب من المشاهير حسب أهواء ومزاج روادها، فالأمر يبدأ بنشر معلومات بسيطة عن الحياة الشخصية لأحد الافراد مرفوقة بصور مختلفة، لتلقى اهتماما واسعا من المتابعين ليتبعه بعدها ضجة كبيرة تزيد من شهرة ذلك الشخص، ليتم الخوض عقب كل ذلك في كل تفاصيل حياته ويظن أنها أصبحت مهمة تعني متابعيه وجمهوره الخاص.
لقد أصبحت حياة الأفراد الشخصية في زمن مواقع التواصل الاجتماعي تروج للعرض والاستهلاك كالبضاعة، ومنه تختار بعض المنابر الإعلامية أخبارها وفقا للمزاج ولاحتمالات انتشار الخبر، فقد عملت هذه المواقع على خلق مجتمعات تفضل الصورة على الحقيقة، والنسخة على الأصل، والتمثيل على الواقع، والمظهر على الجوهر.
في مقابل صناعة سفهاء المشاهير في مواقع التواصل الاحتماعي، أطلقت فئة أخرى من نشطاء هذه المواقع بعد شهرة ساحقة لـ “إكشوان إكنوان”، حملة تحمل شعار “توقفوا عن جعل الحمقى مشاهير”، “Stop making stupid people famous”، وهي عبارة شهيرة كتبت في أحد شوارع أمريكا، كان الهدف منها هو إيقاف الأشخاص الذين يستغلون مواقع التواصل الاجتماعي وتقاسم روادها لأخبارهم وتحركاتهم للخروج عن المألوف، الشيء الذي يحقق لهم الشهرة المجانية المنشودة ويساهمون في صناعة سفهاء المشاهير الذين جعلوا سذاجتهم ممرا للارتقاء إلى أبواب الشهرة، بواسطة صور أو مقاطع فيديو سخيفة ومبتذلة لا تملك أي قيمة، لكن استطاعوا من خلالها تكوين قاعدة جماهيرية واسعة.
فالتركيز على التفاهة التي تؤدي لصناعة سفهاء المشاهير ليصبحوا على ما هم عليه الآن، هو وجود تلك الفئة المتقبلة لهذا النمط من الشهرة الزائفة التي تفضل الخروج عن السياق الطبيعي والمألوف لتتجه نحو السخيف والساذج، فلطالما حقق أشخاص كثيرون تميزا إيجابيا في مواقع التواصل الاجتماعي يستحق الإشادة والتنويه، لكنهم مع الأسف ظلوا بعيدين عن الشهرة والمتابعة الجماهيرية الواسعة في الوقت الذي يحظى فيه السفهاء والتافهون بجماهيرية ساحقة.
متماسك: غياب المرجعية الثقافية وانعدام التربية على جمالية الذوق سبب صناعة سفهاء المشاهير
إن الفئة التي انساقت وراء الضجة المثارة حول الشهرة الزائفة من الزاوية الاجتماعية، حسب الأستاذ متماسك، المتخصص في علم الاجتماع، “يملكون ثقافة رديئة”.
وقال الأستاذ متماسك في تصريحه لـ “المصدر ميديا” أن الساحة الثقافية المغربية في الوقت الراهن فقدت المرجعيات الثقيلة المؤثرة في أفراد المجتمع حيث لم يعد يتواجد فيها كتاب وشعراء كبار الذين يكونون مرجعية معينة في عقول الأفراد، مشيرا إلى أن هذه المرجعية المفقودة أو الغائبة إعمالا للمثل القائل “الطبيعة تخشى الفراغ”، وبالتالي “عند وجود الفراغ يسهل ملؤه بالإشاعات وخلق أبطال وهميين ومؤقتين ومحاولة الظهور بمستوى عالي رغم أنه لا وجود لمستوى أصلا، الشيء الذي جعل هذه الظاهرة شائعة ومنتشرة بشكل كبير”.
وأضاف متماسك في ذات تصويحه قائلا” في المغرب مازالت الثقافة الشفهية تلعب دورا كبيرا في وجدان الأشخاص، فعندما نرى ما يقع في مواقع التواصل الاجتماعي نلاحظ أن ذلك يشبه إلى حد ما الثقافة الشفهية، فقد أصبح الآن بمقدور كل من يملك هاتفا ذكيا تصوير نفسه بالطريقة التي يشاء و يستعمل لغة بديئة خادشة للحياء أحيانا، ويجد مستهلكين ومتابعين لصوره ولفيديوهاته بكل سهولة ممكنة”.
ويرى نفس المتحدث أن مسؤولية استفحال هذه الظاهرة في المجتمع المغربي ترجع أولا إلى المدرسة التي لا تربي الذوق الرفيع في نفوس الأطفال والتلاميذ، مؤكدا في الوقت نفسه أن “التربية الجمالية مفقودة في التعليم المغربي بكافة مستوياته، فالجيل القديم تربى على جمالية الذوق عن طريق الأندية السينمائية والمسرح والفن التشكيلي وغيرها ولذلك عندما يرى هذا النوع من الرداءة لا يقبل عليها عكس الجيل الحالي الذي يعطي القوة لهؤلاء الأشخاص بمتابعتهم ومشاهدة محتوياتهم وتقاسمها فيما بينهم”.
الأستاذ المتخصص في علم الاجتماع أوضح أنه حاليا في العالم بأسره أصبحت الرداءة تباع و تشترى وتدر أرباحا مهمة، وقال: “إقبال الناس في الوقت الراهن أصبح على الأشياء الرديئة والقبيحة الخارجة عن المألوف بسبب انعدام من يقدم المنتوج السليم الراقي و الرفيع، وفقدان الثقة في الحوامل التقليدية ، لذلك يعتبرون أن الصورة أو الفيديو ثمثل أو تعكس حقيقة معينة رغم أنها خادعة”.