الأعمال الفنية الرمضانية و علاقتها بالمشاهد المغربي

تجدد الجدل كل سنة بمناسبة شهر رمضان المبارك حول المنتوج الدرامي المغربي الذي تقدمه القنوات المغربية للمشاهد المغربي على مواقع التواصل الاجتماعي وداخل جلسات العائلة و في كل مكان. سؤال الجودة والاحترافية بات محل نقاش محتدم يطرح إشكالية مشاهد يبحث عن مشاهدة أعمال تتحقق فيها تلك المعادلة الناجحة بين الأثر الترفيهي والمنفعة البيداغوجية والترقية الفنية .

ورغم تعدد الكثير من المواقف المنتقدة للمادة الدرامية الرمضانية في التلفزيون المغربي، فإن إجماعا واسعا يؤكد أن مطلب الجودة الفنية والإبداعية في المضامين والاختيارات يظل أبرز عنصر غائب في هذا الشأن، وهو ما يكرسه العزوف المكثف للجمهور المغربي عن هذه الأعمال، مهاجرا في سماء الفضائيات العربية ، خصوصا المتخصصة منها في الإنتاج الدرامي.

هل من استخفاف جديد بالمشاهد المغربي؟

بحسرة عميقة يقول ي- إ طالب بكلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية، أن الأعمال الرمضانية المغربية لهذه السنة استمرار للملل و التكرار الذي عهدناه منذ مدة ليست بالقصيرة، و تفتقر إلى جميع مكونات الجودة المطلوبة، و المواضيع التي تم الاشتغال عليها لا ترقى إلى المستوى المطلوب واصفا إياها ب(الحموضة المعيقة). أما ع.ع مختص في التسيير الفندقي و السياحي يرى أن الوصلات الإشهارية أكثر حضورا من الأعمال الدرامية، حيث تسعى هذه الوصلات إلى استقطاب المشاهد بكل الوسائل دون مراعاة حقوقه، لأن الهم الوحيد لمنتجي الإشهار هو إغراء المشاهدين باقتناء منتوجاتهم وتوسيع دائرة الاستهلاك، فبعض الشركات أصبحت تلجأ إلى بعض المغنيين المشهورين لإنتاج وصلة إشهارية على ألحان أغانيهم و بفترة زمنية مطولة فلم نعد نفرق هل هي أغنية أم وصلة إشهارية. كل هذا يجعل المشاهد المغربي يسخط بشدة عن هذا المنتوج المقدم له. الشاعر والروائي والقاص عبد العزيز الراشدي، كتب على صفحته الشخصية بـ”فيسبوك”، منتقدا أن يصير “وقت الذروة بأكمله في عهدة الإشهار.يأكل من الزمن الروحي لفترة الفطور الرمضاني. ليس من حقك السكينة وأنت تبتلع السفوف والبغرير والشباكية. عليك أن تبتلع معهما طنا من الإشهار”، معلقا على أحد الوصلات الإشهارية بأن يبيع كاظم الساهر تاريخه لمجموعة عقارية “تبيع شققا مثل علب الكبريت”.

السيتكومات المتكررة

صار من البديهي إصرار القناة الثانية على تقديم سيتكوم جديد كل سنة، فبعد ردود فعل الجمهور اتجاه سيتكومات “كنزة في الدوار” و “نايضة في الدوار” و “لوبيرج”، اقترحت القناة سيتكوما جديدا تحت عنوان “الخاوة” بنفس الممثلين تقريبا. و نفس الضحك المسجل و المفتعل، و لعل سيتكوم “الخاوة” رغم مشاركة مجموعة من الوجوه المحبوبة لدى الجمهور في تشخيص مشاهده، أراد أن يسير على نفس نمط سيتكوم “ياك حنا جيران” و “لوبيرج” الذي سبق أن بتثهما القناة الثانية قبل سنوات بمشاركة نفس المخرج إدريس الروخ. السلسلات الاجتماعية منذ النجاح الذي عرفته سلسلة “بنات لالة منانة” بجزأيها للمخرج ياسين فنان، على القناة الثانية، و تدني مستوى السيتكومات في المقابل،أصبح المشاهد المغربي أكثر متابعة للسلسلات الاجتماعية. و تلاقي هذه السلسلات نجاحا أكبر إذا كانت بلمسة كوميدية، تضفي عليها غير قليل من التميز، كما حدث السنتين الماضيتين مع مسلسل “وعدي” بجزأيه للمخرج ياسين فنان، الذي أثار فيه الممثل طارق البخاري انتباه المشاهدين، للأسلوب الساخر الذي يطبع الشخصية التي لعبها، مما جعل مسلسل “وعدي” يحافظ على نجاحه الجماهيري الذي عرفه الجزء الأول. من جهة أخرى، عرفت القناة الثانية ، هذه السنة، عرض سلسلة “ساكن و مسكون” التي تجمع ثلة من نجوم التلفزيون كبشرى أهريش و نورالدين بكر و طارق البخاري، و التي تحمل محتوى جديد لم يألفه المشاهد، استطاع أن ينال إعجاب المشاهدين.

المخرج و الممثل المغربي ادريس الروخ في تصريح خص به جريدة “المصدر الميديا” حول تكرار نفس الأعمال، ذكر أنه في أي بلد كيف ما كان نوعه و في أي عمل من الأعمال الفنية تبقى نفس المواضيع تتكرر و تطرح دائما، فهي تتحدث دائما عن الإنسان و علاقته بالآخر، تتحدث هذه الأعمال عن ما هو اجتماعي، عن الحب ، عن الكره و ما إلى ذلك من مواضيع شتى. لكن تبقى الطريقة التي يتم بها تناول المواضيع تختلف من شخص لآخر و من مجتمع لآخر و من بيئة لأخرى و من ثقافة إلى ثقافة، و بالتالي فالمشاهد المغربي مشاهد ذكي، يشاهد هذا الزخم و التنوع الثقافي ، فهو يتابع جميع الأعمال سواء كانت مغربية أو عربية أو عالمية، و هذا الجانب هو إيجابي في هذه العملية. و أضاف إذ هناك طابوهات كثيرة التي لا يجب أن نتجاوزها كطابوهات الجنس، السياسة ، الدين و ما إلى ذلك من طابوهات أخرى متعددة في شتى المجالات و الميادين، و بالتالي نحن في بعض الأحيان نحاول أن نقوم بمراقبة ذاتية و يومية في مختلف المواضيع التي نشتغل عليها، هذه المراقبة أيضا نحاول من خلالها أن نكسب بعضا من المواقف المضحكة من خلال ما هو معيشي، ما هو اجتماعي، أيضا من خلال بعض الشخصيات و ما إلى ذلك من أشياء أخرى تصب في هذا الاتجاه، فنحن نشتغل على هذا الجانب دائما و على هذا الأساس نحترم ذكاء المشاهد المغربي و نحترم عاداته و تقاليده، و نعلم جميعا أن المجتمع المغربي له قدرة على الفهم لكل ما هو فني إبداعي، فالحمد لله هناك متابعات قوية للأعمال الفنية من طرف الجمهور المغربي و نحن نحرص دائما كل الحرص على تقوية هذه العلاقة بين الإبداع و الجمهور.

بدوره، تحدث الممثل و المخرج المغربي رشيد الوالي عن المادة الدرامية الرمضانية ل “المصدر ميديا” حيث جاء في معرض حديثه أن هذا الجدل سيبقى قائما إذ يجب إعادة النظر في دفاتر التحملات للقنوات المغربية ليشتغل الفنانون بأريحية بعيدا عن ضيق الوقت و تراكم الأعمال  و قال: ” في ظل هذه الفوضى لا يمكن تقديم منتوج أو عمل درامي يليق بمستوى تطلعات المشاهد المغربي”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد