يرزح الغرب تحت وطأة التسلط والتحكم المطلق الذي تمارسه شعوبها على الحاكم حيث توليه متى تشاء وتخضعه لسلطانها ورقابتها لفترة من الزمن وتعزله بعد حين وربما تلقي به في غياهب السجون إن ثبتت في حقه مخالفة أو جرم أو تقصير خطير اتجاهها .
وفي المقابل ينعم الحاكم العربي بكل الحريات التي تضمنها له الشعوب العربية حيث يأتي إلى سدة الحكم بدون معوقات تذكر إلا من حاكم مستبد آخر جاء قبله وأسقطته المنايا أو دبابات العسكر ، ويبقى في الكرسي ما شاء الله له أن يبقى وعادة حتى يحل عليه ملك الموت بدوره ، وفي خلال فترة حكمه يتمتع بكامل الصلاحيات ويخول له الشعب اتخاذ كل أنواع القرارات ابتداء من أبسط تفاصيل تسيير الشأن العام وصولا للقرارات المصيرية في حياة الأمة .
ما حدث اليوم في انتخابات فرنسا ومنذ أيام قلائل في الانتخابات التشريعية الجزائرية إسقاط على الواقع للصورة الكاريكاتورية( التي أوردنا سلفا ) والتي تمثل واقع الاختلاف بين شعوب الله المحترمة والمتحضرة وعلاقتها بممثليهم في السلطة وبين شعوبنا الجامدة في مكانها منذ زمن ليس بالقريب (ولست أقول المتخلفة لأن التخلف يفترض أصلا الحركية والترتيب في سباق ما ونحن لسنا للأسف حتى جزء من سباق الحضارات) .
في الجزائر (نموذجا) شبه أحزاب تنافس على مقاعد في برلمان حضوره شكلي في نظام عربي السلطات فيه مجتمعة في مكان آخر وبيد أطراف داخلية وخارجية أخرى ؛ ولتجميل الصورة تبدع تلك الأطراف مسرحية سمجة ومن أسخف تجلياتها مشهد “الرئيس المفترض” للدولة الجزائرية المشلول ذهنيا وجسديا قرب صندوق الإقتراع في إيحاء لمشاركة “رأس” الدولة في التشريعات الجزائرية المحسومة النتائج سلفا .
ومن العالم الآخر يأتينا النموذج الجميل للديموقراطية الغربية ، من الجمهورية الفرنسية وصورة تمثل انتخابات حقيقية حيث تتنافس البرامج والسياسات والإرادات ويخطب كل مرشح ود الشعب ويتمسح على أعتاب الناخب عسى أن يتعطف عليه بصوت يبلغه الكرسي الذي ما أن يستقر عليه ويبدأ في التعود على حلاوته حتى يبرحه مرغما بعد بضع سنين .
مانويل ماكرون نجح وسقطت مارين لوبين ،
نجح الشاب الثلاثيني الذي وثق بنفسه وفي النظام السياسي في بلده واستغل الهامش المطلق للحريات المتاح للمواطن الغربي ؛ فهم اللعبة واتقنها وتعامل بعمق وحكمة (وربما لزوجته التي تكبره ب 25 سنة دور لا يمكن تجاهله في نجاحه وذلك أيضا درس مهم في أن الجنسين معا في العالم المتحضر شريكين حقيقين في نهضة بلدانهم).
فشلت اليمينية المتطرفة لوبين في مسعاها للوصول لقصر الإليزيه والتي على شذوذها السياسي والإيديولوجي وجدت لها مساحة ما في وطنها للتعبير عن كيانها ووجودها وطموحها .
بيننا وبين القوم سنين ضوئية من التجارب والنجاحات وكذلك الإخفاقات ولست أرى في المنظور القريب أي تغيير في المشهد إلا التفاؤل بغد أفضل .
هنيئا لماكرون وزوجته الرائعة بريجيت وللشعب الفرنسي بعرسه الديموقراطي ولا عزاء لمن ارتضى لنفسه حالة الجمود .