يشعر العديد من الطلاب خلال فترة الامتحانات بضغط نفسي كبير، وتشير الدراسات إلى انتشار ظاهرة قلق الامتحانات بشكل ملحوظ في البيئات العربية، حيث تظهر بنسبة أعلى بين الإناث مقارنة بالذكور. تبلغ ذروة هذه الظاهرة في المراحل العمرية الحرجة مثل الطفولة والمراهقة، وكذلك في مرحلة الشيخوخة والتقاعد. ويظهر قلق الامتحان كحالة نفسية انفعالية مؤقتة تنشأ عندما يدرك الطالب الامتحان كمصدر تهديد، مما يولد مشاعر خوف ويأس من الأداء الجيد.
في مستوياته المعتدلة، يلعب القلق دوراً إيجابياً حيث ينشط المراكز العصبية العليا، ويحفز السلوك الهادف، ويعزز القدرات العقلية مثل التركيز والتمييز والاستنتاج. كما يساعد الطالب على اتخاذ القرارات الصحيحة وإدراك المخاطر المحتملة. لكن عندما يتجاوز حده الطبيعي، يتحول إلى حالة انفعالية سلبية تصاحبها أعراض جسمية ونفسية تؤثر سلباً على الأداء.
تتمثل هذه الحالة في توتر شديد وانشغالات عقلية سلبية تقلل من القدرة على التركيز أثناء الامتحان. وتظهر كاستجابة طبيعية للموقف الامتحاني، لكنها قد تتفاقم لتتحول إلى عائق حقيقي يعيق الأداء الأكاديمي ويؤثر على الصحة النفسية للطالب إذا لم يتم التعامل معها بشكل صحيح.
تتعدد أسباب قلق الامتحانات وتتشابك فيما بينها، حيث يلعب كل من العوامل الشخصية والاجتماعية والبيئية دوراً مهماً في تفاقم هذه الظاهرة.
من أبرزها الخوف من الفشل أو عدم تحقيق النتائج المرجوة، مما يزيد التوتر ويصعّب التركيز. كما تلعب توقعات الوالدين دورًا مهمًا، حيث يشعر الطالب بالقلق من عدم تحقيق نتائج مرضية لهم، أو من إحباطهم في حال لم يصل إلى المستوى المطلوب.
لا يقتصر الضغط على العائلة فقط، بل يمتد إلى المحيط الاجتماعي، حيث يواجه الطلاب مقارنات مستمرة مع زملائهم، أو يشعرون بأنهم تحت مجهر المجتمع الذي ينتظر منهم أداءً مميزًا. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم الاستعداد الجيد للامتحانات يزيد من حدة القلق، سواء بسبب المماطلة أو سوء تنظيم الوقت، إذ يشعر الطالب بأنه غير مؤهل لمواجهة الأسئلة، مما يخلق لديه شعوراً بعدم الكفاية مما يفاقم توتره.
لا يمكن تجاهل تأثير التجارب السابقة السلبية، فالفشل أو الأداء الضعيف في امتحانات سابقة قد يترك أثرًا نفسيًا يجعل الطالب أكثر عرضة للتوتر في الامتحانات اللاحقة.
تؤثر البيئة المحيطة بالطالب بشكل كبير، حيث يساهم تخويف الزملاء بعضهم لبعض من صعوبة الامتحان في زيادة التوتر. كما أن المفاهيم الخاطئة حول آلية التصحيح والنتائج تزيد من حدة القلق. ولا يمكن إغفال دور نظام الامتحان نفسه، خاصة عند وجود ضغوط وقتية أو صعوبة غير متوازنة في الأسئلة.
من الجانب التعليمي، تلعب أساليب بعض المدرسين القائمة على التهديد والتخويف دوراً سلبياً في تعميق مخاوف الطلاب. كما أن طريقة تقديم المادة الدراسية وتوزيع الدرجات قد تخلق توتراً إضافياً. أما على المستوى الأسري، فإن الاهتمام المفرط من الوالدين وخوفهم الزائد على مستقبل أبنائهم، مع التحذيرات المستمرة من الفشل، تضع عبئاً نفسياً ثقيلاً على الطالب.
تتفاعل كل هذه العوامل مع الطبيعة المرهقة للمناهج الدراسية أحياناً، وإدارة النظام التعليمي التي قد لا تراعي الفروق الفردية. كما أن تقييم الطالب الذاتي السلبي لأدائه، وشعوره بأن جهوده غير كافية رغم بذله للجهد، يزيد من حدة القلق. هذه التركيبة المعقدة من العوامل تخلق بيئة خصبة لتفاقم قلق الامتحانات، مما يستدعي معالجتها بشكل شمولي يراعي جميع الجوانب.
كما قد يكون القلق عرضاً لاضطراب نفسي كامن يحتاج إلى تدخل متخصص.
هذا الضغط النفسي لا يظهر فقط على المستوى الذهني، بل له أعراض جسدية ونفسية واضحة. فقد يعاني الطالب من القلق المستمر، والأرق، وفقدان الشغف بالدراسة، وصعوبة في التركيز. كما يمكن أن تظهر أعراض جسدية مثل آلام المعدة والصداع، وضيق التنفس، وارتفاع ضغط الدم. كل هذه العوامل تؤثر سلبًا على الأداء، فتضعف قدرة الطالب على استرجاع المعلومات، وتقلل من كفاءته أثناء الامتحان، مما قد يؤدي في النهاية إلى نتائج أقل من المتوقع.
يظهر قلق الامتحان بأشكال متعددة تتراوح بين الأعراض الجسدية والنفسية والسلوكية. فجسدياً، يعاني الطالب من خفقان القلب وتسارع النبض، مع زيادة التعرق والارتجاف، وقد يشكو من جفاف الفم والغثيان واضطرابات هضمية كالإسهال أو الإمساك. كما تظهر أعراض مثل الصداع، صعوبة النوم، التعب الشديد، وتغيرات في الشهية.
نفسياً وسلوكياً، يسيطر على الطالب التفكير السلبي والتشاؤم، مع انخفاض ملحوظ في الثقة بالنفس. كثيراً ما يلجأ الطلاب إلى تجنب المذاكرة أو حتى الامتحان نفسه خوفاً من الفشل. وتظهر أيضاً أعراض عاطفية مثل الغضب والإحباط والشعور بالعجز، خاصة عند عدم تحقيق النتائج المرجوة.
اذن للقلق الامتحاني وجهان: فمن ناحية، قد يكون القلق المعتدل محفزاً إيجابياً يشجع على الاجتهاد ويزيد من التركيز أثناء التحضير للامتحان. لكن من ناحية أخرى، عندما يتجاوز القلق حده الطبيعي، يتحول إلى عائق كبير يعطل القدرة على التركيز ويضعف الأداء، وقد يؤدي إلى مشاكل نفسية أعمق مثل الاكتئاب أو فقدان الثقة بالنفس.
الدكتورة أمينة الزغامي
مستشارة أسرية وتربوية