بشموخ كبير تواصل “المخازن الجماعية” بجماعة إغرم (إقليم تارودانت)، والمعروفة باسم “إيكودار” باللغة الأمازيغية، تحديها لعوادي الزمن، لتقف شامخة أمام تقلبات الظروف الطبيعية، مقدمة بذلك المثال الساطع على ثراء وقدم الثقافة والهندسة المعمارية الأمازيغية المغربية.
وتعد “إيكودار”، التي تتميز بها منطقة إغرم التي تبعد عن تارودانت بحوالي 100 كيلومتر، من أقدم النظم البنكية، وهي عبارة عن منشآت حجرية تحتوي على غرف جد صغيرة، تشكل خزانة أمينة للحفاظ على أثمن الأشياء التي يمتلكها أفراد القبيلة مثل عقود البيع والشراء، وعقود الزواج، والمجوهرات، وعقود إثبات الملكية العقارية، وكذا بعض المواد الغذائية من قبيل الحبوب والتمور والتين المجفف والعسل والزعفران، والزيت وغيرها.
ويتميز الهيكل الهندسي لـ”إيكودار”، بكونه يضم اثنان إلى أربعة أبراج، إذ تعتبر فضاءات جماعية خاضعة لحراسة دقيقة، حيث لا تتوفر إلا على مدخل واحد، مفتاح بابه في عهدة حارس يحمل لقب “لامين”، وهو اسم يحمل دلالات عميقة تحيل على الأمن و حفظ الأمانة.
وفي هذا الصدد، أوضح محمد أونكو، وهو أستاذ باحث في التراث، أن “إيكودار” هي كلمة أمازيغية، وهي بصيغة الجمع، مفردها “أكادير”، وتعني لغويا المخزن المشترك، وهي عبارة عن منشآت جماعية قديمة عالية الأسوار وذات أبراج، ت بنى فوق قمم الجبال.
وأفاد في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن “إيكودار” تم تشييدها منذ قرون، وهي تتكون من ثلاثة إلى أربعة أدوار مقسمة إلى غرف صغيرة من نفس المقاس، يتم الولوج إليها عبر باب صغير مصنوع من الخشب، مبرزا أن ملكيتها تكون لرب الأسرة الذي يسهر بشكل منتظم على الترميم والعناية بها كلما دعت الضرورة إلى ذلك.

وأضاف، بأن هذه المخازن تعتبر أول نظام بنكي في العالم، نظرا لوجود تشابه كبير بينها وبين البنوك من حيث طريقة تدبير المخازن الجماعية، مؤكدا أن طريقة تخزين الأشياء الثمينة داخل هذه المؤسسة، ونظام الحراسة والتداول وكذا التشريعات التي صاحبت نشأتها، تجعلها في مقدمة الأنظمة البنكية.
وأشار السيد أونكو، إلى أن طريقة تدبير هذه المخازن، تعهد إلى الأمين أو البواب الذي ينظم الدخول والخروج من هذه المخازن، في حين تملك كل أسرة مفتاحا خاصا بمخزنها، لافتا إلى أن شؤون “إيكودار”، كان يديرها مجلس يسمى “إنفلاس” هو مجلس القبيلة الأمازيغية، توكل له مهمة تنظيم وتسيير شؤون القبيلة والحسم في الخلافات.
وتكتسب المخازن الجماعية، أهمية أكثر في المواسم التي يكون فيها المحصول الزراعي ذا أهمية، ولا يمكن فتح الغرف التي يحتوي عليها “إيكودار” إلا بحضور “الأمين” الذي يتولى أيضا فتح أبوابها الصغيرة وفق نظام معين، وذلك حتى يتأتى ضمان التهوية اللازمة للغرفة، بما يسمح لها بالحفاظ على المواد الغذائية المخزنة دون أن يلحقها أي تلف.
وعموما تمثل المخازن الجماعية “إيكودار”، جزءا من التراث الثقافي اللامادي للمغرب، وهي تعكس القيم الاجتماعية والتاريخية للمجتمعات الأمازيغية، وبغية تثمينها، بدأت الجهات المختصة والجمعيات الثقافية تعمل على ترميمها وتحويلها إلى مواقع جذب سياحي.