يحتفي المغرب، غدا الجمعة، على غرار دول العالم، باليوم العالمي للديمقراطية، الذي يعد مناسبة للوقوف على المكتسبات الديمقراطية والتحديات التي تواجه الممارسة الديمقراطية، و أيضا لتسليط الضوء على جهود تعزيز قيمها والنهوض بالحكامة.
وتقف الأسرة الدولية، خلال هذا اليوم، على المستجدات المرتبطة بالديمقراطية، والذي يأتي الاحتفاء بيومها العالمي هذه السنة في ظل أوضاع استثنائية، بالنظر لسياق الأزمات المتزايدة التي يواجهها العالم على مختلف الأصعدة، الأمنية والصحية والسياسية والاقتصادية، وكذا على خلفية التحولات التي تشهدها بعض المناطق، والتي قد تمس بتحقيق التوازن بين حفظ الحقوق، والاستجابة لتطلعات الشعوب، واستدامة الحكامة.
وما فتئت منظمة الأمم المتحدة تذكر كل سنة، بهذه المناسبة، بأن الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان عناصر مترابطة، وبضرورة تعزيز سيادة القانون وضمان تكافؤ فرص وصول الجميع إلى العدالة، وتشجيع مشاركة جميع الفئات في العمليات الديمقراطية.
كما تدعو المنظمة إلى تعزيز التعليم والتوعية بمبادئ الديمقراطية، وذلك من خلال بناء ثقافة ديمقراطية في المجتمعات، وتؤكد على ضرورة تحقيق التوازن بين الحفاظ على الأمان والاستقرار وبين ضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وذلك من أجل بناء عالم أكثر عدالة واستدامة.
واستطاع المغرب على مدى عقود توطيد صرحه الديمقراطي، من خلال ترسيخ دولة الحق والقانون، عبر إرساء المؤسسات الديمقراطية، وممارسة سياسية ناجعة، واعتماد إصلاحات شاملة، وتثبيت حقوق الإنسان والحريات، وكلها إنجازات حققت المملكة بفضلها حضورا نوعيا بين السائرين على درب الديمقراطية.
تمكين الجيل المقبل
اختارت منظمة الأمم المتحدة هذه السنة لليوم العالمي للديمقراطية موضوع “تمكين الجيل القادم”، مؤكدة أن هذا الاختيار يرجع بالأساس للدور المحوري الذي يلعبه الشباب في تعزيز الديمقراطية وضمان إدراج أصواتهم في القرارات التي لها تأثير كبير على عالمهم.
ونبهت المنظمة الأممية، بهذا الخصوص، إلى أهمية توفير بيئة يشعر فيها الشباب بأن أصواتهم مهمة، “حيث يعتبر المواطن المتحصن بالمعرفة الجيدة والمشاركة الفعالة في الإنتخابات نبض قلب المجتمعات الديمقراطية القوية”.
وأكدت المنظمة، أن أهمية الشباب ودورهم يكمنان في التعامل مع عالم تتعرض فيه الديمقراطيات للتهديد “كانتشار المعلومات الخاطئة والمضللة عبر الإنترنت، وتصاعد الشعبوية، وتأثيرات أزمة المناخ المزعزعة للاستقرار”، مشيرة إلى أهمية تمكين الجميع من المشاركة الهادفة في القرارات التي تؤثر على حياتهم ومستقبلهم.
وفي هذا الصدد، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في رسالة بمناسبة اليوم العالمي للديمقراطية، “من التهديدات المستمرة للديمقراطيات في جميع أنحاء العالم، منها الصراعات المعقدة، وتهديد تغير المناخ المتزايد، والاضطرابات المالية، والتي أدت إلى منع الفضاءات المدنية”.
كما يلقي غوتيريش باللوم على “انتشار المعلومات والأخبار المضللة بشكل واسع، والتي تنفث سمومها في الخطاب العام، بما يؤدي إلى الاستقطاب المجتمعي، ويقوض الثقة في المؤسسات”.
ويركز موضوع هذا العام على قضية “تمكين الجيل القادم”، من أجل التأكيد على أهمية الدور الأساسي للأطفال والشباب في حماية الديمقراطية اليوم وفي المستقبل.
وفي هذا الإطار، يمكن القول إن الاصلاحات التي باشرها المغرب منذ سنوات، ساهمت في تطوير مؤسسات الدولة، وتعزيز المشاركة المجتمعية، كما يمتاز النموذج الديمقراطي المغربي بتمكين المرأة ودمجها في العملية السياسية وفي مناصب صنع القرار، واعتماد قوانين تعزز حقوق النساء. وتولي المملكة، أيضا، اهتماما ملحوظا للشباب ودمجهم في العملية الديمقراطية، سعيا منها إلى تمكين الجيل الشاب من المشاركة في بناء مستقبله، إضافة إلى تعزيز التسامح والتعددية التي يمكن اعتبارها من أهم ركائز النموذج الديمقراطي المغربي.
ولا يقتصر نهج المغرب على تبني مفاهيم الديمقراطية، بل على السعي الجاد إلى تعزيزها وتطويرها في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية، فأضحى بذلك أحد نماذج التطور الديمقراطي الذي يمكن أن يحقق التوازن بين الحفاظ على الأمن وتعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
التزام مغربي بتعزيز قيم الديمقراطية قاريا
على الصعيد الدولي عرف المغرب بدفاعه عن الحوار كأنجع سبل تحقيق السلم الاجتماعي، و تجاوز النزاعات، كما أن المملكة لا تتوانى ، بالنظر لتجذرها في محيطها الإقليمي والإفريقي، عن بذل جهود حثيثة لتعزيز الديمقراطية وتشجيع قيمها على صعيد القارة، خصوصا أن المغرب يعتبر نفسه شريكا في تعزيز الاستقرار والتنمية بإلقارة ، من خلال نقل تجاربه الناجحة في تعزيز الديمقراطية، وبناء مؤسسات ديمقراطية.
وأكد المغرب، في هذا الاتجاه، مطلع شهر غشت المنصرم، أمام مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي عزمه على وضع تجربته في مجال الحكامة الديمقراطية والانتخابية رهن إشارة البلدان الإفريقية الشقيقة، وهي بادرة تأتي في ظرفية تعيش فيها عدد من بلدان إفريقيا أوضاعا سياسية مضطربة .
وقد أوضح الوفد المغربي، خلال اجتماع لمجلس السلم والأمن خصص لدراسة التقرير نصف السنوي لرئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي حول الانتخابات في إفريقيا، أن إرادة المغرب هذه تنبع من التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، للمساهمة مع كافة الأفارقة الذين يأملون في نهوض بإفريقيا تتولى بنفسها تنظيم عملياتها الانتخابية والتوفر، لهذا الغرض، على قدرات مؤسسية قوية وذات مصداقية .
وقد أبان المغرب مرارا عن حرصه على تعزيز تفاعل القارة مع مبادئ الديمقراطية، من خلال التعاون مع الدول الإفريقية في العديد من المجالات، و من خلال تبادل الخبرات والتدريب. كما تعمل المملكة على تعزيز القدرات المؤسسية للدول الافريقية وتمكينها من تعزيز الممارسات الديمقراطية، ولا أدل على ذلك من احتضان المغرب، في ماي الماضي، للورشة التكوينية الثانية لملاحظي الانتخابات في إفريقيا، والتي شكلت محطة هامة في تعزيز الشراكة بين المملكة والاتحاد الإفريقي في مجال دعم الحكامة السياسية بإفريقيا.
والأكيد أن المغرب يواصل تقوية صرحه الديمقراطي، ويرى فيه أداة لاستدامة التنمية والاستقرار، كما أنه حريص على التزامه بالمساهمة في بناء مستقبل إفريقي يتسم بالتقدم والتعددية والازدهار، وذلك من خلال جهوده لتعزيز قيم الديمقراطية وتشجيعها في القارة.
يشار إلى أن العالم يحتفل باليوم العالمي للديمقراطية، يوم 15 شتنبر من كل سنة، بعدما أقرته الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة سنة 2007، حيث تشكل هذه المناسبة فرصة للوقوف على تطور الممارسة الديمقراطية عبر العالم ، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجهها.
المصدر ميديا : و م ع