طبيبة سودانية تتخرج من جامعة مغربية ببصمة علمية لم تُدرس منذ 15 سنة

ناقشت الطالبة السودانية، هند اسكندر عبد العزيز، مساء يوم الخميس 6 يناير الجاري، في رحاب كلية طب الأسنان بجامعة محمد الخامس، بمدينة الرباط، أطروحة بحثها المعنونة ب “les lampes à photopolymériser en orthodontie”، إذ قامت الطالبة بالبحث في سبل علاج الأسنان وتقويمها بواسطة الأضواء أو المصابيح، لنيل شهادة الطب في ذات التخصص، وذلك بعد أن تجاوزت الطالبة كافة الصعاب والحواجز التي اعترضت سبيلها منذ بداية مشوارها الدراسي بالمملكة المغربية.

وكأي طالب أجنبي لم تكن الفرنسية لغتها الأم، ولا حتى اللغة الأجنبية الثانية المعتمدة ببلادها، لكنها تمكنت بصبر وإصرار كبيرين من تحقيق حلمها، حيث وصلت بخطوات ثابتة، بعد توفيق من الله، وتأطير من أساتذة أكفاء، إلى هذه الدرجة العلمية بتفوق وإمتياز.

وفي تصريح خاص للمصدر ميديا، قال الأستاذ الدكتور هشام بن يحيى، أستاذ التعليم العالي في شعبة تقويم الأسنان: “أشرفت على هذه الأطروحة للطالبة هند عبد العزيز، التي اختارت مجال تقويم الأسنان”

وأردف مسترسلاً حديثه: “كانت هناك صعوبات تجاوزتها الطالبة بكل أريحية، إذ تطرقت لمجال يعد جديدا في طب الأسنان عموما، تزامنا مع أبحاث خُطت باللغة الإنجليزية”.

وأوضح ذات المتحدث أن الباحثة: “اشتغلت على تلك الأبحاث وتمكنت من مقاربتها، متغلبة على جل الصعوبات والعراقيل، ومن هذا المنبر أحيها على ما قامت به طوال مدة تكوينها بالكلية والتي دامت ست سنوات”.

وختم الأستاذ المشرف قائلاً: “كانت الدكتورة هند من بين أولى الدفعات الطلابية التي عاشت إصلاح منظومة التعليم العالي في طب الأسنان، ومن بين الطلبة المتفوقين والمميزين، آملين أن تكون هذه الأطروحة بادرة لفتح آفاق بحث جديدة في علم العلاج وتقويم الأسنان”

وفي سياق متصل، قالت فاطمة الزاوي، أستاذة بكلية طب الأسنان بالرباط: “نعيش اليوم أجواء تقديم الأطروحة العلمية للطالبة هند، والتي تطرقت من خلالها إلى موضوع في غاية الأهمية بالنسبة لتخصصنا، حيث ساهمت الأبحاث التي قامت بها الطالبة في إستخلاص مجموعة من النتائج التي يمكن استخدامها في تطوير علاج الأسنان”

وأردفت قائلة: “مرت المناقشة في أجواء عائلية عززت روابط الأخوة بين كل من المملكة المغربية، وجمهورية السودان، التي تربطهما علاقات أخوية وثقافية ودينية، وهو ما يسهل إندماج الطلبة الأفارقة في المغرب، وكذا المغاربة في باقي دول إفريقيا، وهو ما يساهم بشكل كبير في تقدم وإزدهار قارتنا الإفريقية التي تضم عدداً كبيراً من الشباب، الذي يتوجب علينا مساعدته ليزدهر ويتألق، ليكون خلفاً صالحاً”.

ومن جهتها، شرحت الخريجة هند اسكندر عبد العزيز، طبيعة بحثها العلمي الذي كان ثمرة جهد نالتها بعد سبعة سنوات من الجد والإجتهاد ذاكرة أهم المحطات التي عبرتها منذ تخرجها من البكالوريا، مروراً بالإجراءات التي تحملتها في وطنها الأم وصولاً إلى قبولها كطالبة مبتعثة بالمملكة المغربية، وأخيراً تخرجها كطبيبة أسنان متميزة من جامعة محمد الخامس بالرباط.

قالت: “دخلت تراب المملكة المغربية سنة 2014، إذ كانت أول عقبة أواجهها هي تعلم أبجديات اللغة الفرنسية في ظرف سنة دراسية واحدة، بل كان التحدي الأكبر هو المنافسة على مقعد واحد للسودانيين المبتعثين الذي خصص لدراسة الطب بشعبه المختلفة، إذ وجدت نفسي مضطرة لأخذ حصص إضافية في تعلم اللغة ناهيك عن الإجتهاد الشخصي ودروس المعهد، ولله الحمد تمكنت من الفوز به بعد حصد أعلى الدرجات، ومن هنا بدأ المشوار”

وواصلت: “دخلت كلية الطب فصدمت بواقع آخر، كانت سنة متوترة بالإحتجاجات والإضرابات حينها لأجل إصلاح منظومة التعليم العالي في الطب، ناهيك عن الفرنسية التي كانت على مستوى أعلى من تلك التي درستها في المعهد. وبالرغم مما قيل لي عن استحالة  النجاح دون تكرار السنة لصعوبة الأمر بالنسبة لي، واصلت في الكفاح  والإجتهاد حتى نجحت. إذ حاولت من خلال بحثي هذا التطرق لما يسمى بوحدات العلاج الضوئي وهي الوحدات التي تستعمل لمعالجة المواد المستخدمة في ترميم الأسنان كالعجين الذي يتم من خلاله لصق أجهزة التقويم في فم المريض، حيث أنها قادرة على تحويل المواد من حالة سائلة إلى أخرى صلبة”.

وذكرت تفاصيل بحثها، حيث أنها: “درست أهمية الضوء الأزرق والأجهزة التي تصدره في طب الأسنان وتثبيت أجهزة التقويم؛ وكيفية تأثير الضوء على العلاج بشكل عام وفي هذا التخصص بشكل خاص. وفي شق آخر من البحث عملت على التفصيل في تاريخ هذه الأجهزة وطرق استخدامها وخصائصها بكافة أنواعها وبأجيالها الثلاثة، وكذا كيفية اشتغالها فزيائيا وحيويا وتأثيرها الإيجابي، دون التغافل عن ما تسببه من أعراض جانبية، إلى جانب طرق التعامل مع تلك الأجهزة داخل الكلية من قبل الدكاترة والطلبة ومدى تأثيرها على المريض، بالإضافة إلى دراسة المكونات الميكانيكية لكل جهاز مع التركيز على قوة الضوء ولونه وطوله الإشعاعي”

وأضافت قائلة: “كان الموضوع صعباً جداً نظراً لكون الدراسات السابقة لم تتطرق للموضوع بشكل مفصل، وهو ما تطلب مني الإبحار في مختلف الدراسات العلمية التي خُطت بلغات أجنبية غير الفرنسية التي اعتُمدت لغة رسمية في التخصصات العلمية كتخصصي في الكلية، وبالرغم من كل هذا تمكنت بفضل الله، ثم بمساعدة مشرفي الأستاذ هشام بن يحيى، من النجاح في كتابة بحث ممتاز على حد تعبير اللجنة العلمية التي ناقشت بحثي وأوصت بنشره في مختلف المواقع العلمية ليساهم في تطوير المجال وتدريسه بشكل معمق، خاصة أنه لم يدرس منذ 15 سنة، بهذه الدقة، ولا حتى في مجال تقويم الأسنان”.

وختمت هند كلامها قائلة: “كانت رحلة جميلة جداً مليئة بالتحديات واللحظات المرة التي علمتني الصمود، مليئة بمشاعر أخوة صادقة وحلوة جمعتني بزملائي المغاربة الذين ساعدوني ووقفوا إلى جانبي وأعانوني على تحصيل العلم وتحقيق حلمي، ولم يشعروني يوماً أني غريبة عنهم..، وأشكر كافة العاملين بالكلية سواء كانوا أساتذة، إداريين أو عمال. أنا ممتنة حقاً للمملكة المغربية التي منحتني فرصة الدراسة في رحاب جامعاتها تحت إشراف أساتذة أكفاء، لم يبخلوا علي بعلمهم وخبراتهم، أشكر والداي العزيزان وإخوتي الذين تقاسموا معي مشقة الطريق، أشكر أقاربي الذين لم تربطني بهم علاقة دم، بقدر ما كانت علاقتي بهم إنسانية وهم أفراد الجالية السودانية المقيمة بالمغرب، كل بإسمه ومكانته، وأخيراً أشكر سفارة بلدي السودان التي ساهمت بشكل أو بآخر في تحمل جزء ولو بسيط من تكاليف هذه الرحلة العلمية الممتعة، ولو بقيمة معنوية، والحمد لله دائماً وأبداً”

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد