كشف المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي عن حقيقة الأزمة “الغير المسبوقة” التي يعيشها المغرب بسب الإنعكاسات الصحية والإجتماعية والإقتصادية لجائحة فيروس كورونا “كوفيد 19”.
واكد المجلس، ضمن تقرير له حول: “الإنعكاسات الصحية والإقتصادية والإجتماعية لفيروس كورونا “كوفيد 19” والسبل الممكنة لتجاوزها”، أن هناك أربعة أرقام دالة، تُفصح لوحدها عن خطورة الوضع الحالي، اولها أنه يتوقع أن تتراوح نسبة تراجع النمو الإقتصادي ما بين 5.8 – في المائة (المندوبية السامية للتخطيط ووزارة االقتصاد والمالية) و 6.3 – في المائة (بنك المغرب) خلال السنة الجارية، وهو على الأرجح أكبر انخفاض تم تسجيله خلال العقود السبعة الماضية، ثانيها تصريح حوالي 958.000 أجير في القطاع المنظم أنهم توقفوا عن العمل، وقد استفادوا من التعويض الممنوح في إطار الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا.
وأضاف مجلس الشامي أن المؤشر الثالث يرتبط بتصريح حوالي 134.000 مقاولة من أصل 216.000 مقاولة منخرطة في الصندوق الوطني للضمان االجتماعي أنها في وضعية صعبة جراء جائحة كوفيد، والرابع هو استفادت أكثر من 5.5 مليون أسرة تعمل في القطاع غير المنظم من المساعدات الممنوحة في إطار عملية “تضامن”، وقد كان لتدهور الظروف الإقتصادية وبالتالي لتضرر سوق الشغل انعكاسات سلبية على دخل األسر وقدرتها الشرائية، كما يتجلى ذلك من خالل انخفاض متوسط الدخل الشهري للنشيطين المشتغلين بنسبة 50 في المائة.
وأشار المجلس أن حجم التأثير الإقتصادي على مختلف قطاعات النشاط ارتبط بعدة عوامل مثل طبيعة السوق (محلي أو خارجي)، وطبيعة المنتوج (مواد أساسية/ باقي المنتجات)، ومدى صرامة القواعد الصحية المطبقة على كل قطاع، وكذا سرعة استئناف العادات االستهالكية (في قطاع السياحة مثال)، وهكذا، تمكنت بعض القطاعات من الصمود، بل من تحقيق نتائج أفضل خالل هذه الفترة، على غرار الصناعات الإستخراجية وصناعة مشتقات الفوسفاط والصناعة الغذائية، بالإضافة إلى قطاع الأنشطة المالية وقطاع الإتصالات.
وتابع المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي أنه إلى جانب الإجراءات التقييدية التي لم تيسر الولوج إلى الخدمات الأساسية، لا سيما بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة، من قبيل الصحة وضعف شبكات الحماية الإجتماعية، كما ساهم الإنخفاض في الدخل في زيادة حدة التفاوتات الموجودة أصال، مما يشكل عامال قد يؤدي إلى رجوع فئات من الساكنة إلى الفقر، كما أنه بالنسبة لقطاع التربية والتعليم، حيث أمكن الحفاظ على شكل معين من االستمرارية البيداغوجية، فإن الفجوة الرقمية بين الوسطين الحضري والقروي، وكذا بين األسر الميسورة والمعوزة، قد أضرت بدور التعليم كآلية أساسية لالرتقاء االجتماعي وأثرت سلبا على مبدأ الولوج المتكافئ للحق في التعليم.
واظهر المجلس أنه كان لأوجه القصور البنيوية التي تعيق تنمية بلادنا دور كبير في حدة تداعيات الجائحة، فعلى مستوى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، تتسم المنظومة الصحية الوطنية، بهيمنة الطب العالجي (على حساب الطب الوقائي)، الذي لا يسمح بالإستجابة لإنتظارات المرتفقين. أما بالنسبة للمنظومة التعليمية فإن الرقمنة لم يتم إدراجها بعد بكيفية هيكلية في المناهج والبرامج، وبخصوص الحماية، يضيف المجلس، فهي غير مؤهلة للتخفيف من آثار حاالت التسريح الجماعي للأجراء، وتنامي أنشطة القطاع غير المنظم، وتفاقم الأمراض وارتفاع الطلب على العلاجات، والحال أن الوحدات الإنتاجية غير المهيكلة تشغل حيزا مهما في النسيج االقتصادي الوطني.
وعلى المستوى الإقتصادي، أبرز مجلس الشامي، أن الخيارات المتخذة في إطار السياسات الصناعة النسيج الإنتاجي جعلت القطاع شديد التأثر بالتغيرات الفجائية التي تطال سلاسل القيمة العالمية وسلاسل اللوجستيك، حيث لم تول تلك السياسات الأهمية اللازمة لاستغلال الفرص التي تتيحها آلية استبدال الواردات، وبالموازاة مع ذلك، لم تمكن جهود إعادة هيكلة النسيج الإنتاجيّ من حل إشكالية كبرى تعاني منها المقاولات الوطنيةن ألا وهي ضعف رأس المال، كما أنه لم تتم معالجة الصعوبات المرتبطة بضيْق القاعدة الضريبية بشكل صحيح، والحال أنها تشكل عامال يزيد من محدودية الحيّز الميزانياتي للدولة ومن قدرتها على إطالق سياسات لمواجهة التقلبات الدورية.
وللخروج من الوضع الصعب دعا المجلس صحيا إلى ضرورة الانتقال من منظومة للعلاجات إلى منظومة صحية، وإجتماعيا إلى إرساء منظومة للحماية الاجتماعية المعممة واستراتيجيات مبتكرة من أجل إدماج القطاع غير المنظم ، أما إقتصاديا فقد شدد المجلس على ضرورة التدخل لإنعاش الاقتصاد على المدى القصير مع العمل في المدى المتوسط على تعزيز قدرته على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية…