أعادت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي أعلن خلالها عن خطط لسنّ قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سمّاه “الانعزال الإسلامي”، والدفاع عن القيم العلمانية، جدل العلاقة بين الإسلام والغرب، بين من إعتبر تصريحات الرئيس إعلانا عن “كراهية” واضحة تجاه الإسلام والمسلمين، وبين من إعتبرها دعوة “للتجديد” .
في هذا السياق وتفاعلا مع الجدل القائم، كشف د.سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تدوينة له على موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”، تحت عنوان “بين الإسلاموفوبيا والإسلاموفيليا”، أنه ” في تحليل أسباب تصاعُد ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب بعد أحداث 11 شتنبر 2001، يمكن رصد مجموعة من المُحدّدات الموضوعية التي أفرزت الظاهرة منها تنامي موجات الهجرة من الجنوب إلى الشمال، واستعصاء اندماج المهاجرين في النسيج المجتمعي الغربي؛ والأزمة الاقتصادية العالمية، التي جعلت مواطني البلدان الغربية يروْن في المهاجرين منافسين لهم على مناصب الشغل وتجدر “أسطورة أسلمة أوروبا”، للحد الذي أصبحت معه الإسلاموفوبيا ظاهرة منتشرة حتى في بلدان لا توجد فيها جالية مسلمة، وأفضت إلى بروز “منطق حربي” يُنظر من خلاله إلى الإسلام على أنه “عدو”.”.
وأضاف، بنيس، أن ” هذه الوضعية كان لها تأثير على قرارات السياسيين في البلدان الغربية، كما هو الحال بشأن الخطابات الأخيرة لماكرون حول الانفصالية الإسلاموية أو القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بمنع مواطني سبْع دول إسلامية من دخول أمريكا في سياق ظهور مراكز أبحاث في الولايات المتحدة تشجع وتعطي حلولا للسياسيين. لكن في المقابل يوجد في أوروبا نسيج جمعوي مناهض لدُعاة الإسلاموفوبيا مع مفارقة جدرية تتمثل في كون نسبة المسلمين في القارة العجوز أعلى من نظيرتها في أمريكا، إذ تصل نسبتهم في فرنسا فقط إلى 5 في المائة، في حين لا تتعدّى النسبة في الولايات المتحدة الأمريكية 1 في المائة”.
وتابع الأستاذ الباحث في علم الإجتماع، أن ” انتشار الإسلاموفوبيا بشكل أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية ينطوي على أغراض سياسوية لا سيما التحذير الشديد الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إيران ، والذي يعني أنّ أمريكا تعتبرها خطرا. فالتعامل مع الخصوصية الثقافية للمسلمين في البلدان الغربية أصبح ينحو منحى الفوبيا المرضية كشكل من أشكال الوعي الجماعي والمؤسساتي، وهو ما أفرز وجود مؤسسات تعتبر الآخر المسلم خطرا يهدد النسق الاجتماعي لهذه البلدان. يمكن في هذا السياق الإحالة على دراسة أنجزتْ في فرنسا في غضون سنة 2017 لكشف التمييز الذي يطال المسلمين في ميدان الشغل، إذ تمّ تقديم 6231 طلب عمل إلى أرباب المقاولات، تضمّنت سيرا ذاتية بأسماء مستعارة، فكانت النتيجة أنَّ عدد الطلبات المقبولة التي تحمل أسماء عربية لمْ تتعدَّ 5 في المائة. وهذا يعني أنّ الخلل في الآخر المتأثر بمقولة الإسلاموفوبيا”.
وأوضح بنيس، أنه ” إذا كان المسلمون يشتكون من الإسلاموفوبيا في الغرب، فإنَّها توجد أيضا حتى داخل المجتمعات الإسلامية في أشكال مختلفة تروج لها فئات وبنيات بمنطق اختزالي يؤسس النسق الديني على مظاهر خارجية واجتماعية وثقافية (اللباس – أماكن الاختلاط – اللغة …) ذلك أن كلّ من اختلف مع “النموذج” يتمّ رمْيه ب”الكفر” ويصبح عرضة للإقصاء والتهميش والمعاداة. مما خلق شريحتين من المواطنين ، شريحة أولى تتكون من مناصري “النموذج” من خلال نسق ومنطق “الاسلاموفيليا” ( Islamophilie ) بمعنى تمجيد وتثبيت والإشادة ب”النموذج” وشريحة ثانية من المواطنين تصبح عرضة لثقافة وسلوك الإسلاموفوبيا لكنها موجهة لمواطنين من نفس الديانة و المعتقد على اعتبار أن الخرجات التكفيرية التي تقوم بها الفئات والبنيات التي تدافع على “النموذج الحصري” للمسلم تؤدّي إلى انتشار ثقافة الكراهية والعنف والتقتيل والاكسنوفوبيا تجاه من لا يتوافق سلوكه الاجتماعي والثقافي مع هذا النموذج”.
وشدد بنيس، على انه ” من هذا المنطلق فالإسلاموفوبيا ليست حكرا على الغرب بل توجد كذلك داخل مجتمعات منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا في صيغة اسلاموفوبيا منعكسة وموجهة للذات كنوع من أنواع التمييز والإقصاء وإلغاء مباشرا لمقومات المواطنة الإيجابية والعيش المشترك والرابط الاجتماعي”.
وكان ماكرون قد أعلن الجمعة أن فرنسا ستتصدى “للانعزالية الإسلامية” الساعية إلى “إقامة نظام مواز له قيم أخرى”، مشددا على ان الدين الإسلامي يمر “بأزمة في جميع أنحاء العالم ولا نراها في بلادنا فقط”،”أزمة عميقة مرتبطة بالتوترات بين الأصوليين والمشاريع الدينية السياسية”، تصريحات إعتبرها مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر تصريحات تنسف، برأيه، “كل الجهود المشتركة للقضاء على العنصرية والتنمر ضد الأديان”، محذرا من مثل تلك “التصريحات العنصرية التي من شأنها أن تؤجّج مشاعر ملياري مسلم” حسب تعبيره، في وقت إعتبر آخرون تصريحات ماكرون تجسيدا لحقيقة أزمة يجسدها بعض المسلمون في فرنسا، حيت علق شارلز مهند مالك في موقع الإخبارية التونسية: “فرنسا بهذه الخطوة تحمي الإسلام في التوقيت الصحيح. قامت القيامة على ماكرون لأنه قال “الإسلام يعيش في أزمة”. ما كذب الرجل؛ تشخيصه حقيقي. نريده أن يكذب لنحبه؟ أي نعم الإسلام يعيش أزمة، و النظام الإسلامي الليبرالي قد يكون أنموذج يحتذى به فنمنع التطرف و تعود للإسلام النظرة التي نأملها جميعا، هذا تماما ما عاشته المسيحية منذ قرون”، وعن القانون الذي أعلن عنه ماكرون لمواجهة التطرف الإسلامي، يؤكد الكاتب: “لا أبالغ في أن هذا القانون أتى ليحمي الإسلام في فرنسا، أتى ليمنع المتطرفين من اجتذابه بعيدا عن مساره، أتى ليزيد من فرص نجاح تعايشه مع المجتمع الأوروبي”.