في الأيام الأخيرة، لم يعد لرواد مواقع التواصل الاجتماعي حديث سوى عن قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، الذي تسربت نسخة منه بعد أن صادق عليه المجلس الحكومي يوم 19 مارس 2020، والتي تفرض عقوبات صارمة في حق من دعا إلى مقاطعة بعد المنتوجات أو الشركات أو المؤسسات البنكية كذلك.
قانون 22.20 جاء كرد من المسؤولين بعد أن تعرضت عدد من المنتوجات الغذائية والشركات لمقاطعة شاملة منذ نحو سنتين دعا إليها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي كان أهمها حليب “سنطرال” وماء “سيدي علي” وشركة “أفريقيا” للمحروقات.
بنود مشروع قانون رقم 22.20 يراها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي أنها تضرب في الصميم مبدأ حرية التعبير الذي يكفله الدستور، بعد لجوء الحكومة إلى “تكميم أفواه المغاربة”، للدفاع عن الشركات الكبرى التي كبدتها حملة المقاطعة خسائر كبيرة.
تجريم المقاطعة والدعوة إليها عبر “السوشل ميديا”
مشروع قانون 22.20 يتكون من 25 مادة، لكن المواد الذي أثارت الضجة هي تلك التي تخص تجريم الدعوة إلى مقاطعة المنتوجات، فبالعودة إلى مواد النسخة المسربة من القانون، نجد أن المادة 14 تنص على أنه “يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 5000 إلى 50.000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة بالدعوة إلى مقاطعة بعض المنتوجات أو البضائع أو الخدمات أو القيام بالتحريض علانية على ذلك”.
العقوبة ذاتها، تنص عليها كذلك المادة 15 في حق كل من قام “بحمل العموم أو تحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها”، في إشارة واضحة إلى حماية المؤسسات البنكية من آثار المقاطعة وأضرارها الاقتصادية على المؤسسة.
في حين نصت المادة 18 على أنه “يعاقب بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20.000 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، من قام عمدا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات والبضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا وخطرا على الصحة العامة”.
ليتضح من خلال هؤلاء المواد من قانون 22.20 أن الحكومة أرادت حماية الشركات المتضررة من مقاطعة عام 2018 وتحميل الصفة الجنائية على كل من دعا إليها مستقبلا أو كل مستهلك اشتكى من خلال فيديو منشور على مواقع التواصل الاجتماعي من ضعف جودة منتوج ما أو مواد غذائية فاسدة، وسارعت للمصادقة على القانون في ظرفية استثنائية تمر منها البلاد والعالم بأسره في ظل انشغال الجميع بوباء فيروس “كورونا” المستجد.
تحايل وتمويه الحكومة
المتأمل في البلاغ الذي أعقب المجلس الحكومي المنعقد يوم 19 مارس الماضي برئاسة سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، يرى أنه ذكر أن قانون 22.20 “يستهدف سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشبكات المماثلة، من قبيل نشر الأخبار الزائفة وبعض السلوكات الإجرامية الماسة بشرف واعتبار الأشخاص أو القاصرين، خاصة في مثل الظرفية الحالية التي يعرفها العالم، وتعيشها بلادنا، والمرتبطة بتفشي فيروس كورونا”.
البلاغ، أشار إلى أن المجلس الحكومي تدارس وصادق، فعلا، على مشروع قانون رقم 22.20، الذي قدمه وزير العدل، لكن البلاغ استدرك بأن المصادقة تمت “مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة في شأنه بعد دراستها من طرف اللجنة التقنية ثم اللجنة الوزارية المحدثتين لهذا الغرض”.
الجملة الأخيرة الواردة في بلاغ المجلس أثارت غموضا لدى الكثيرين، حيث تساءل عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي كيف للحكومة أن تصادق على مشروع قانون عرض في اجتماع المجلس الحكومي، ثم تحيل المشروع بعد ذلك على لجنة تقنية للنظر فيه وإحالته بعد ذلك على لجنة وزارية لاعتماده رسميا من طرف الحكومة قبل إحالته على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه؟
وزير حقوق الإنسان: ما يتم تداوله حاليا من مضامين، سبق الاعتراض عليه
بعد احتدام النقاش حول ما سرب من قانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، لم يتفاعل محمد بنعبد القادر، وزير العدل مع الجدل الدائر حول التسريبات الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليظهر مكانه مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، ويوضح من خلال تدوينة نشرها على حسابه الشخصي بـ “الفايسبوك” يقول فيها: إن “البلاغ الصادر عن المجلس الحكومي، عقب الاجتماع الذي تمت فيه مناقشة مشروع القانون 20.22، يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بتاريخ 19 مارس 2020، تضمن ما يفيد أن المجلس صادق على المشروع، على أن تتم مراجعته على ضوء ملاحظات السادة الوزراء من قبل لجنة تقنية وبعدها لجنة وزارية”.
وتابع الرميد أن “هذا يعني أن الصيغة النهائية للمشروع هي التي ستتم إحالتها على البرلمان، وهي التي يمكن مناقشتها وقبولها أو رفضها، أما ما يتم تداوله حاليا من مضامين، فقد سبق الاعتراض عليه من قبل بعض أعضاء الحكومة، لذلك فإنها تبقى غير نهائية، ويبقى أي نقاش حول مواد بعينها سابق لأوانه”.
عريضة الرفض والاستنكار
مع الجدل الذي أثارته الوثيقة المسربة، ساؤع نشطاء إلى إطلاق عريضة تحمل عنوان “قانون 22.20 لن يمر”، جاء فيها أن “الحكومة تستعد لتمرير مشروع قانون يتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، بعيدا عن القيم الدستورية القائمة على التشاركية”.
العريضة ذكرت إنه “نظرا لخطورة المشروع على منظومة حقوق الإنسان وعلى حق التعبير، كما تتوخى ذلك الوثيقة الدستورية، وأنه لا يتماشى مع المرجعيات الحقوقية الدولية، واعتبارا لما يتضمنه من قواعد قانونية فضفاضة يترتب عنها ترتيب جزاءات حبسية، وخوفا من استغلال ظروف غير عادية لتمرير قانون ضار بالحقوق الفردية والجماعية ويمس بسيادة القانون ودولة المؤسسات، نعلن نحن المواطنين والمواطنات رفضنا المطلق لمشروع القانون 22.20 المشؤوم”.
وبلغ عدد الموقعين على العريضة الرافضة لقانون 22.20، أزيد من 20 ألف شخصا في أقل من ثلاثة أيام على إطلاقها.
الرميد يتبرأ من التسريب والاتهامات
مصطفى الرميد، نفى نفيا قاطعا أن يكون قد سرب المذكرة التي وجهها إلى رئيس الحكومة بشأن ملاحظاته على مشروع القانون 22.20 أو أي وثيقة كيفما كان نوعها.
بيان الرميد، ذكر أنه “ورغم أن مشروع القانون والوثيقة التي وجهها لرئيس الحكومة لا تكتسيان طابع السرية، إلا أنه وعكس بعض البيانات والتدوينات الصادرة عن جهات حزبية، والتي نسبت له تسريب المشروع، فإن لا شيء من ذلك صحيحا”.
القيادي في حزب المصباح أعرب عن “أسفه على الاتهامات المجانية التي لم يكلف أصحابها أنفسهم بأدنى مستويات التحري بالاتصال لمعرفة الحقيقة”.