المصدر ميديا : عبدالله المتقي
تنتشر هذه الأيام ، موجات التّكفير ، فتتشابه وجوهها وإن تعددت لغاتها ، حتى أن هناك من ببرّر هذا العنف الرمزي ، بل هناك من يدعو إلى القتل والتّصفية الجسديّة ، والضحايا هم دائما، من المثقفين المخالفين الذين يحملون مصباح ديوجين ، المصباح الشهير الذي كان يفتش في وضح النهار عن الإنسان الذي يعمل ويجد ليحقق حريته ، ويحسن مستوى الحياة .
مثل هذه الأفواه الواسعة التي تروج لهكذا عنف، وفي هذه المرحلة الدقيقة من لغة العنف في أعلى درجاته و التي تجتاح العالم، من شأنها تقويض دعائم الدّيمقراطيّة تمهيدًا لفرض إيديولوجيّة أصوليّة ثابتة لا تؤمن بالتحول، والأكثر منه، الإساءة إلى دين الله حتى، وبالمناسبة، يكفي أن رب العالمين ، اكتفى بطرد وإخراج إبليس من رحمنه ، دون تعنيفه ، أو دق عنقه ، أو الدعوة إلى تعليقه أو تصفيته ، بالرغم من فسقه، واستكباره ، ورفضه السجود لآدم كما باقي الملائكة .
ولأن الله رحيم ورؤوف وبديع ومتعال ، فقد وردت حجة ورأي إبليس بخصوص هذه المعارضة في القرآن :” أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين .” ولعل هذه الكتابة لحجة إبليس في كتاب الله ، هي أقصى درجات الإيمان بالاختلاف والتسامح .
هكذا يعدو التكفير الذي فتح شهية البعض هذه الأيام ، ليشمل من ليس على ثقافتهم وملتهم الدينية المغلقة ، ومن ثم اتهامهم بأعلى درجات الكفر الديني ، وكذا تهديدهم بالمحو ، وتلك هي ثقافة التكفير وعلاماتها وضوابطها في كل شيء ، بسبب تضخم الأنا الدينية ، واحتكار الحقيقة الحولاء والصماء ، و التي لا تسمح بالحوار لقبول الآخر ، وحتى لو حدث هذا النقاش ، فلا شيء سوى التمرس خلف المواقف ، وكما التكفير عقيدة دينية لا تقبل النقاش.
من هنا ، ضرورة التصدي لمثل هذه الدعوات المريضة والمتضخمة والواهمة وهي جنينية ومتفرقة ، قبل أن تتسع دائرة التكفير والكفر الديني ، ويبلغ الزبى الفتنة ، الفتنة التي نقرأ عن ورقيا ورقميا ونراها يوميا على القنوات تكاد تحرق بقعا كثيرة من العالم والتي يوقدها مثل هذا الذي نسميه” تشراك الفم ” بدون حسيب ولا رقيب .
لأن من شأن هذه الثقافة العنيفة والمكفرة للمخالفين ، التمهيد لتربية التكفير ، وإنتاج جيل لا يسمع للطرف الآخر ، وقابل أن يتحول إلى كائنات تنقصها الثقافة الحوارية واتساع الأفق .
وجملة القول ، ثقافة التكفير لا تؤمن بالتسامح ، ولا تعترف بالتعايش والحوار ، بل تتهافت على إخراج المواطن من ثقافة التنوير والاختلاف ، ومسخه إلى “ماركة ” بشرية مسجلة ، تندمج كليا في موقفها الديني المتشدد والمنغلق ، وللتذكير ثانية ، الحاجة أصبحت ملحاحة للحد من مثل هذا التفكير التكفير ، حتى لا يتحول إلى ذئاب كاسرة .
شكرا للاضاءة الدائمة التي تسلطها على بؤر الظلام التي تهدد بتعتيم مجتمعاتنا..لك احترامي وتقديري الاستاذ عبد الله المتقي محمد