المسيرة الخضراء: تلاحم قوي بين العرش والشعب وسلوك واقعي ترجم مكانة الوطن الغالية في نفوس المغاربة

هناك في تاريخ الأمم والشعوب قاطبة، محطات لا يمكن المرور عليها مرور الكرام أو تجاوزها دون وقفة تأمل واستخلاص للعبر والاستفادة من الدروس التي أفرزتها، ومن أهم هذه المحطات نجد حدث المسيرة الخضراء المظفرة بما انطوت عليه من دروس بالغة الأهمية في التخطيط واتخاذ القرار وحشد الإرادة الشعبية الوطنية وجمع الصفوف والتنفيذ وبناء نموذج مثالي من التوحد والاصطفاف الشعبي.

السياق التاريخي للمسيرة الخضراء المظفرة

مباشرة بعد الحصول على استقلاله، طالب المغرب باستعادة صحرائه، لكن الاستعمار الإسباني رفض تسليم إقليم الصحراء إلى المغرب والذي كان هدفه إنشاء حكومة محلية تحت وصاية إسبانية، ولتحقيق ذلك أعلنت إسبانيا بشكل أحادي في شهر غشت عام 1974 عن قرار تنظيم استفتاء في الصحراء خلال النصف الأول من عام 1975، ليرفض المغرب رفضا قاطعا هذه الخطوة البخيسة، والتي قرر وقتها الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه مراسلة الحاكم الإسباني، ليعرب له عن قلق المغرب وعزمه على معارضة هذه الخطوة الانفرادية، لكونها  تتعارض مع مضمون قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

istiqlal

وعرض المغفور له الحسن الثاني قضية الصحراء على أنظار محكمة العدل الدولية من أجل تحديد الوضع القانوني للإقليم.

وتقدم المغرب يوم 18شتنبر 1974، بطلب استشاري إلى محكمة العدل الدولية بعد مطالبته للجمعية العامة بإيقاف كل عملية تتعلق بإجراء استفتاء في الصحراء إلى غاية معرفة رأي محكمة العدل الدولية في القضية، وعلى ضوء هذا الطلب، أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 3292 بتاريخ 13 دجنبر 1974، طلبت فيه من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول قضية الصحراء المغربية.

وفي يوم 16 من شهر أكتوبر عام 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأيها الاستشاري حول الصحراء، والذي يقر بأن الصحراء كان لها مالك قبل الاستعمار الإسباني، ووجود روابط قانونية وولاء وبيعة، بين سلاطين المغرب والقبائل التي تقيم بها.

وبعد اعتراف محكمة العدل الدولية بالحقوق التاريخية للمغرب في صحرائه، أعلن الملك الحسن الثاني، عن تنظيم مسيرة خضراء سلمية نحو الصحراء بمشاركة 350 ألف مواطن، وهو حدث فرض على إسبانيا مواجهة وضع جديد لم تكن تتوقعه، لتخلص بعد ذلك المفاوضات بين المغرب وإسبانيا إلى إجلاء القوات الاسبانية من الصحراء المغربية في فبراير من عام 1976.

المسيرة الخضراء روح تسري في جسد كل مغربي

أربعة وأربعون عاما مرت على انطلاق المسيرة الخضراء التاريخية التي وحدت الشعب المغربي برمته حول المغفور له الملك الحسن الثاني منذ إعلانه عن تنظيم هذا الحدث الخالد في تاريخ المغرب يوم 6 نونبر من عام 1975، والتي لا تزال روحها تسري في دم المغاربة منذ استرجاع الأراضي الصحراوية من الاستعمار الإسباني.

المحطة التاريخية التي شهدت التلاحم القوي والمتين بين العرش والشعب جاءت استجابة لخطاب الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه والذي جاء فيه: “غدا إن شاء الله ستخترق الحدود، غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء، غدا إن شاء الله ستطأون أرضا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون أرضا من وطنكم العزيز”، والتي أكدت بأن الإرادة السامية للأمة المغربية تلتف وراء مطلب عودة الأراضي إلى حضن الوطن.

هذا الحدث التاريخي البارز أظهر للعالم مدى العمق الحضاري للمغاربة الذين وجهوا رسالة عظيمة للعالم مضمونها حب الوطن الراسخ وهم حاملين للعلم الوطني والقرآن الكريم في مسيرة وطنية خضراء فحواها السلمية المتسلحة بالإرادة الصلبة وقوة الحق.

محطة تاريخية استثنائية في تاريخ المغرب، يستحضرها الشعب المغربي كلما حلت ذكراها يوم 6 نونبر من كل سنة، وهي مناسبة لغرس دروس الوطنية الأساسية في نفوس الأجيال الجديدة والسير على خطى الأجداد والأسلاف والتحلي بهذه الروح الوطنية الصادقة، وذلك لما لها من رموز ودلالات عميقة، إذ لم تكن خطبا ولا دروسا نظرية في العمل الوطني بل كانت ممارسة واقعية وسلوكا فعليا يترجم قيمة الوطن ومكانته الغالية في النفوس، وذلك في الوقت الذي تتعرض فيه لمؤثرات خارجية تنزح عن السياق السليم أنتجه الانفجار المعلوماتي الذي أحدثته العولمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

istiqlal
قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد