نشر الشيخ المثير للجدل حماد القباج في موقعه الالكتروني الرسمي، مقالا بمناسبة ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال، جاء فيها :
يوافق احتفاؤنا بالذكرى 73 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال {11 يناير 1944 / 2017}؛ ظرفية سياسية متميزة؛ عنوانها الأبرز: الصمود ..
صمود زعيم وطني منتخب أمام جبهة التحكم
صمود أحزاب وطنية مستقلة أمام أخرى تمثل التحكم
صمود وطنيين شرفاء من كل الأطياف السياسية والإيديولوجية أمام لوبيات التحكم
صمود يذكرنا بصمود الفقيه محمد بن العربي العلوي -وزير العدل الأسبق- أمام التحكم الفرنسي المتغطرس والبلوكاج الذي وضعه في طريق المطالبة بالاستقلال:
يقول الأستاذ عبد القادر الصحراوي وهو يؤرخ لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال:
“لما توالت العرائض على القصر سنة (1944) من جميع أنحاء المغرب، ومن جميع الطوائف والهيئات والمنظمات المهنية، تحمل كل منها مئات أو آلاف التوقيعات في تأييد مطلب الاستقلال والإلحاح فيه، حتى كانت العرائض تمضى في الشوارع وعلى أبواب الدكاكين التجارية.
وقرر محمد الخامس رحمة الله عليه منذ البداية أن يقف إلى جانب شعبه في هذه المرحلة من مراحل الكفاح الوطني.
أما من ناحية الإقامة العامة وإدارة الحماية، فيبدو أنها قد فوجئت، وأن المفاجأة قد أذهلتها فوقفت بدون حراك، ولم يصدر عنها أي رد فعل عنيف.
ربما لأنها لم تكن تدري بعد ما ينبغي لها أن تفعله وربما لأنها كانت لا تزال تنتظر التعليمات من باريس”.
في هذا الجو جمع محمد الخامس رحمه الله المجلس الوزاري ليتحمل مسؤوليته بصفة رسمية إزاء هذا المطلب الشعبي الجديد.
وكان الفقيه بلعربي إذ ذاك ضمن الهيئة الوزارية، بصفته وزيرا للعدل.
ولم يكن محمد الخامس في حاجة إلى سماع رأي محمد بن العربي العلوي، فقد كان يعرفه؛ وإنما كان يريد أن يسمع آراء الوزراء الآخرين، بدون ضغط معنوي، وبدون توجيه، لذلك طلب منه هو أن يلتزم الصمت.
ومن عجب أن وزراءنا فتحوا أفواههم، وتكلموا وأعلنوا تأييدهم لمطالبة الشعب المغربي بحقه في الحرية والاستقلال!!
وكانت الخطوة التالية أن كلف الملك وزراءه جميعا كهيئة وزارية، بمقابلة المقيم العام، ممثل فرنسا، الدولة الحامية، وإبلاغه الأمر بصفة رسمية، وفتح باب التفاوض معه فيه.
ويبدو أن هول المفاجأة كان قد خف بالنسبة للإقامة العامة هذه الأثناء، وأن المقيم العام كان قد تبين له، أو كان قد أوحي إليه، بما ينبغي له أن يقوله، وما ينبغي له أن يفعله عندما تأتي مرحلة العمل.
وتمت المقابلة بين الهيئة الوزارية المغربية، وبين المقيم العام (المسيو بيو) في هذا الجو الجديد، فخرسوا جميعا أو جعلوا يجمجمون ولا يبينون، وانقلب تأييدهم إلى نوع من الاستنكار إن لم يفصح عنه اللسان إفصاحا، فقد دل عليه واقع الحال!
وتصدى محمد بن العربي العلوي وحده لمقيم فرنسا العام في المغرب، يحاول أن يشرح له المسألة.
ولكن المقيم كان قد قرر أن لا يسمع وأن لا يفهم؛ فهو عارف بكل شيء، ودولته قد حددت موقفها فيما يظهر.
وكان مما قاله المقيم العام في آخر هذه المقابلة، وكأنه بذلك يقفل باب المناقشة: “أنه بمقتضى عقد الحماية، فإن فرنسا وحدها هي التي لها الصلاحية لإجراء الإصلاحات اللازمة في الوقت الذي تراه لازما”.
ولم يطق محمد العربي العلوي أن يسمع هذا الكلام، لم يطق أن يسمع المقيم العام يتحدى إرادة الشعب المغربي الجماعية هذا التحدي السافر المكشوف، فيتحدث عن الإصلاحات في الوقت الذي يتحدث فيه الناس عن الاستقلال، بل حتى هذه الإصلاحات فإنه يرى فرنسا وحدها هي التي تقرر ما تراه لازما منها، وفي الوقت الذي تراه لازما لذلك!
أي بفصيح العبارة: ليس لكم من الأمر شيء!
وزاد الطين بلة أن السادة الوزراء الذين أيدوا مطلب الاستقلال بالأمس في مجلس وزاري، وجاءوا إلى هنا ليفتحوا باب المفاوضات فيه بصفة رسمية، قد نزلت عليهم السكينة، فهم يسمعون ولا يتكلمون، وكأنهم ليسوا طرفا في النزاع!
وكان مما رد به محمد بن العربي العلوي على المقيم العام، وكأنه يضع الخاتمة الحقيقية لهذه المناقشة، ويتوعده بما سيكون إذا لم تتفهم فرنسا مطامح الشعب المغربي؛ أن قال له:
“مهما يكن الحال؛ فتأكد أننا لسنا خِرافا، وحتى لو كنا كذلك، فإن الخراف نفسها لا تستسلم عن طواعية لمصيرها على يد الجزار، بل إنها تقاوم، إلى أن تغلب على أمرها”.
وعادت الهيئة الوزارية لتقابل الملك مرة أخرى، لكن بوجه غير الذي ذهبت به، وبكلام يختلف عما قاله أعضاؤها من قبل عندما أعلنوا تأييدهم لمطلب الاستقلال.
وكأن محمد بن العربي العلوي أصبح يرى أن مكانه ليس هنا، وأنه لا معنى لاستمراره ضمن هذا الإطار، فقدم استقالته من وزارة العدل، احتجاجا على تخاذل الوزراء وجبنهم وتواطئهم مع الاستعمار، واحتجاجا على أجوبة المقيم العام وتضامنا مع الشعب المغربي في كفاحه.
ونُصح له بالعدول عن الاستقالة فلم ينصح، وأجاب بأنه لا يستطيع أن يمثل دور الوزير القرد الذي يقال له قم فيقوم، ويقال له نم، فينام!!
وذكروه بأن له أولاد، وأنه ليس من مصلحتهم و-كلهم في سن الدراسة- أن يتخلى أبوهم عن وظيفته السامية.
ولعل الذين قالوا له هذا الكلام كانوا يعلمون أنه فقير، ولعل هذا الكلام كان من الممكن أن يثنيه عن عزمه، وأن يساعده على العثور على مبرر لاتخاذ موقف معتدل، ولكنه أبى ذلك، وأجاب لائميه أو ناصحيه بقوله:
“إن في استطاعة أولادي أن يتصرفوا كما لو كان أبوهم قد مات“!
يقول المؤرخ عبد الله الجراري:
“وأيا كان الحال؛ فقد وجد انحلال في الدائرة، وانشقاق في مجموع هيئة الوزراء والرؤساء حيث لم يكونوا على العهد الذي أعربوا عنه لأول موقفهم في الحركة إلا ما كان من وزير العدلية الغيور محمد بن العربي العلوي مبرهنا على صدق موقفه وإخلاصه؛ مقدما استعفاءه من منصب الوزارة التي لم يبق لها صوت يعيد على البلاد ما تصبوا إليه من عز وتحرر يجعلانها وظيفة خلقية بالاعتبار أمام أمثالها من وزارات العالم التي لها قيمتها وصداها نقضا وإبراما”.
تحية للفقيه بلعربي .. وتحية للزعيم بن كيران .. الذي رفض أن يكون قردا يقفز بأوامر التحكم ..