أعاد فتْح ملف مقتل الطالب القاعدي “بن عيسى آيت الجيد”، الذي لقيَ حتْفه إثر مواجهة بين طلبة قاعديين وطلبة إسلاميين قبل 24 سنة بجامعة ظهر المهراز بفاس، والذي اتهم على خلفيته عبد العالي حامي الدين، القيادي في حزب العدالة والتنمية، بـ”المساهمة في القتل العمد”، فتح أبواب الجدل ما بين المؤيدين لإعادة فتح الملف ومعارضين له يرون فيه “تصفية لحسابات سياسية” أكثر منه مسألة قانونية تستوجب تدخل القضاء.
قضية أيت الجيد: الإلتباس القانوني
تؤكد المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه “لا يجوز تعريضُ أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو بُرّئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد”، وهو ما ينطبق حسب المتعاطفين على القضية التي يتابع ضمنها حامي الدين، مشددين على عدم قانونية قرار قاضي التحقيق في قضية آيت الجيد بإحالته على غرفة الجنايات، بعد أن برّأته الحكمة بعد قضائه لسنتين سجنا نافذة بسبب متابعتهم في نفس القضية.
في هذا السياق، دافع مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، عبر تدوينة له على صفحته الرسمية بالفيسبوك عن زميله في حزب العدالة والتنمية، وعبر عن “اندهاشه الكبير” بإحالة قاضي التحقيق لملفه على الغرفة الجنائية بتهمة المساهمة في القتل العمد للطالب آيت الجيد.
الرميد قال إنَّ ملفّ قضية مقتل آيت الجيد أغلق منذ سنة 1993، حيث برّأتْ غرفة الجنايات عبد العالي حامي الدين، وأعادت تكييف الأفعال على أساس أنها مساهمة في مشاجرة أدَّت إلى القتل، وأنّ هذا القرار لا يمكن اعتباره واقعة يمكن الاختلاف حولها، “بل بالنواة الصلبة لقواعد المحاكمة العادلة ومبدأ أصيلا من مبادئ دولة الحق والقانون”، معتبرا أنّ خرْق هذه القاعدة “يعتبر خرقا خطيرا لقاعدة قانونية أساسية يوجب المساءلة طبقا لمقتضيات القانون التنظيمي للنظام الأساسي للقضاة”.
وردا على كلام مصطفى الرميد، كشف لحبيب حاجي المحامي بهيئة الدفاع عن المطالبين بالحق المدني في قضية “أيت الجيد”، للمصدر ميديا، أن ما ورد في محاضر تصريحات حامي الدين لدى الشرطة سنة 1993، بأنه كان رفقة مناضلين حددهم بالإسم وهم من فصيل القاعديين التقدميين، يتناقض مع ما كشف عنه مقرر هيأة الانصاف والمصالحة الذي أكد أن حامي الدين كان ينتمي إلى الفصيل الطلابي الإسلامي المسمى فعاليات طلابية، وهو ما يغير حسب المحامي الأسس الموضوعية للمتابعة.
وكان محمد حاتمي الفاعل الحقوقي في مجال حقوق الإنسان، قد اكد في وقت سابق، أن هيئة الإنصاف والمصالحة لم تبرئ القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، بل أن تعويضها لم يكن “تعويض براءة” بل تعويضا عن الإعتقال التعسفي، بعد أن قضى في الحراسة النظرية أكثر من المدة القانونية بيومين أو ثلاثة، وعوضته عن هذه المدة، التي إعتبرها في حد ذاتها موضوع تشكيك، موضحا أن الحراسة النظرية استمرت من 25 فبراير 1993 إلى 1 مارس، باحتساب يومي 29 و30 فبراير، بينما أيام هذا الشهر لم تتجاوز 28 يوما في تلك السنة”، موردا أن “الحقيقة تتمثل في كون الحراسة النظرية امتدت بين 26 و28 فبراير سنة 1993.
وأشار حاتمي إلى أن ملف حامي الدين ومن معه منذ سنة 2012، ظلّ يراوح مكانه بسبب “تدخلات وزير العدل والحريات السابق آنذاك”، وهو ما أدّى إلى وقف الشكايات ضد حامي الدين، الذي سبق له أن قضى سنتين وراء القضبان، بعد ان قضى حكم قضائي من طرف محكمة الاستئناف بفاس بتاريخ 04-04-1994 بإدانة عبد العالي حامي الدين رفقة آخرين بسنتين سجنا نافذة بعد متابعتهم بتهمة المشاجرة بين فصيلين طلابيين أسفرت عن وفاة.
وفي ذات السياق، كشف كل من لحسن أيت الجيد شقيق بنعيسى وهيئة دفاع عائلة الطالب اليساري، عن ظهور أدلة جديدة، تثبت مساهمة حامي الدين في مقتل أيت الجيد، قبل 24 سنة.
قضية أيت الجيد: الإلتباس السياسي
في الجهة الأخرى من إعادة فتْح ملف“أيت الجيد”، ينتصب ما يعتبره البعض “محاولة لتصفية حسابات سياسية”، بعد ان إعتبرت العدالة والتنمية أن الإتهامات المنسوبة لحامي الدين رئيس لجنة التعليم والشؤون الثقافية والاجتماعية بمجلس المستشارين، حملة مغرضة ومنسقة، تشنها بعض الجهات في حقه.
في هذا الإطار، كتب المحامي عبد الصمد الإدريسي، عضو حزب العدالة والتنمية، أن “متابعة عبد العالي حامي الدين متابعة سياسية”، مضيفا أن “قرار قاضي التحقيق للأسف يخرق كل الأبجديات والمبادئ المتعارف عليها قانونا، وهناك من يسعى لإعدام الثقة في أي إمكانية لوجود قضاء مستقل يحتكم للقانون والضمير”.
وفي أول تعليق له على قضية متابعة القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العالي حامي الدين، دعم عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ما صرح به وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، في الموضوع.
وقال بنكيران، في تصريح لموقع شبيبة البيجيدي: ” موقفي هو موقف الأستاذ المصطفى الرميد من قضية متابعة حامي الدين، واتصلت بالرميد وهنأته على موقفه”.
وفي وقت سابق، عبر فريق حزب العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، عن تضامنه مع القيادي بالحزب عبد العالي حامي الدين، معتبرا ان الحملة التي تستهدف حامي الدين هي “سلوك مشين” بخلفية سياسية دنئية غرضه هو تشويه سمعة حامي الدين الشخصية ومساره النضالي، ويرمي أيضا إلى النيل من حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له.
فيما إعتبر عبد الصمد الإدريسي، محامي حامي الدين، في بيان حقيقة، في وقت سابق، أن وقائع القضية المعروفة بملف “أيت الجيد” سبق أن عرضت على القضاء لمرات متعددة وفي مستويات مختلفة (النيابة العامة، قاضي التحقيق، قضاء الحكم، المجلس الأعلى سابقا..) وصدرت بشأنها أحكام وقرارات قضائية متواترة حائزة لقوة الشيء المقضي به، وقد كان آخرها أحكام البراءة التي صدرت عن محكمة الاستئناف بفاس.
وفي ذات السياق، طالبت الأمينة العامة لحزب الإشتراكي الموحد، في تصريح للمصدر ميديا، بضرورة إبعاد هذه القضية عن التوظيفات السياسية، وضرورة الالتزام بالحياد وترك القضاء ليقول كلمته فيها، قائلة: “نتمنى ان يكون القضاء عادلا ونزيها، ما يهمنا في القضية هو معرفة الحقيقة في استشهاد آيت الجيد، وأنه كيفما كان السياق الذي وقعت فيه هذه الجريمة لابد للعدالة ان تحق الحق وتبين الحقيقة كاملة”.