2019..حكومة العثماني من أزمة السياسة إلى سياسة الأزمة

نودع سنة 2019 كما ودعنا قبلها سنوات سياسية سابقة حملت في طياتها أحداث سياسية بصمت التاريخ السياسي للمملكة.

سنة 2019 لم تخرج عن سابقاتها من السنوات بل فتحت بدورها أبواب الصراع والتدافع السياسي من اجل “المشاركة في السلطة”، وأعادت بدورها أزمة “أنتهى الكلام” لكن هذه المرة من حليف سياسي اختار الركون إلى صف المعارضة، مكرسة بدورها إستمرار أزمة السياسة والثقة في الفعل السياسي والأحزاب السياسية، وفي الوقت ذاته إستمرار سياسة الأزمة داخل الأغلبية الحكومية.

سيناريوهات الأحداث المتسارعة سياسيا سنة 2019، وصراعات الممكن والمستحيل داخل الحكومة التي أطاحت برئيس الحكومة السابقة عبد الإله بنكيران ألقت بظلالها على رئيس الحكومة الجديد سعد الدين العثماني الذي اختار لعب دور العراب بعيدا عن سياسة سلفه وصراعه الضروس مع التماسيح والعفاريت، الذي دخل في صراعات غير معلنة بعد هدنة مشاورات التعديل الحكومي،  عبر رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش، من من مدينة فرانكفورت الألمانية، عن اهم تجليتها حين توجه مباشر إلى رئيس الحكومة قائلا: “نحن شركاؤك في الأغلبية، وكنا معك رجالاً في تشكيل هذه الحكومة، ولم تسمعوا عن حدوث أي مشكل أو نقاش ساخن، بل سهلنا له المأمورية لأنها مرحلة يجب أن تمر ونحن تعاونا معه”، “أقول للسيد العثماني: حافظ على أغلبيتك”.

صراعات “فارغة”، عطلت الزمن السياسي، كما عبر عنها الملك عند ترؤسه افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة، قائلا: “المرحلة الجديدة تبدأ من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات”، ليعلن خطاب الذكرى العشرين لعيد العرش عن دخول المغرب “المرحلة الجديدة”، إنطلاقا من صلاحياته الدستورية كرئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، والساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة (الفصل 42)، إلى دعوة رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، لرفع مقترحات لتعديلات في الحكومة ومناصب المسؤولية في الدولة.

ودخل العثماني في سباق مع الزمن للإسراع بتشكيل الحكومة التنفيذية الثانية والثلاثون منذ استقلال المغرب في 1956، لتنطلق مشاورات التعديل الحكومي الموسع، الذي عاش مخاضا عسيرا اعتبره حزب التقدم الاشتراكي مخاضا استوجب إنهاء زمن ” “ميثاق الأغلبية الحكومية”، معجلا برحيل بنعبد الله إلى المعارضة وإعلانه عن “إنتهاء الكلام” مع حزب المصباح.

واستقبل الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط رئيس الحكومة وأعضاءها، قبل يومين من افتتاح الدورة الأولى للبرلمان المغربي، ليعلن رسميا عن تنصيب حكومة المرحلة الجديدة التي تعتبر أصغر حكومة في تاريخ المغرب السياسي الحديثن حكومة قلصت أعضاءها من 39 وزيرا إلى 23، بعد تجميع عدد من القطاعات الوزارية وحذف كتابات الدولة، لتضم الهيكلة الجديدة 18 وزارة وخمس وزارات منتدبة وهي “وزارة ملحقة” بوزارة رئيسة، احتفظ ضمنها العثماني بـ 17 عضوا كانوا ضمن الحكومة السابقة وضم ستة وجوه جديدة، بعضها حزبية وبعضها الآخر تكنوقراط.

وفي سياق متصل، جدد الملك الدعوة في خطاب عيد العرش يوم 30 يوليو 2019، إلى مراجعة وتحيين النموذج التنموي الحالي، من خلال صياغة مشروع نموذج تنموي جديد يرقى إلى تطلعات وطموحات المغاربة ويحقق الإقلاع الاقتصادي والاجتماعي لبلادنا، اعطي الحق في ترسيم مداخلها الكبرى للجنة استشارية خاصة من أجل بلورة “نموذج تنموي جديد”، مشكلة من شخصيات من مختلف التخصصات المعرفية، والروافد الفكرية، من كفاءات وطنية في القطاعين العام والخاص، تتوفر فيها معايير الخبرة والتجرد، والقدرة على فهم نبض المجتمع وانتظاراته، واستحضار المصلحة الوطنية العليا.

ليعلن ملك البلاد بتاريخ 21 نونبر 2019 عن تكليف شكيب بن موسى، سفير المغرب بفرنسا، برئاسة اللجنة الخاصة بإعداد النموذج التنموي الجديد، التي ضمت عددا من الشخصيات المشهود لها بالكفاءة وروح الوطنية، ضمن لجنة ينتظر منها ان تحققه ما حققتها لجان خاصة سابقة في بعض القضايا ذات البعد الوطني، مثل الجهوية الموسعة، والدستور، ومدونة الأسرة، وهيأة الإنصاف والمصالحة.

نموذج تنموي يفتح أبواب مساءلة قدرة الفعل والفاعل السياسي على إعادة الثقة في السياسة والسياسين بعيدا عن منطق التدافع المؤطر بمقولة التوافقات والتوازنات الضيقة، إلى سؤال أكبر مدفوع بإرادة تحقيق الخير المشترك ودخول المرحلة الجديدة، التي بدأت حسب الخطاب الملكي الأخير أمام أعضاء مجلسي البرلمان، “من الآن، وتتطلب انخراط الجميع، بالمزيد من الثقة والتعاون ، والوحدة والتعبئة واليقظة، بعيدا عن الصراعات الفارغة، وتضييع الوقت والطاقات”.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد