2017: البيجيدي وحكومة السياق الصعب

لم تمر سنة 2017، على حزب البيجيدي وحكومة إئتلافه بردا وسلاما، فمنذ أن تصدّر حزب العدالة والتنمية نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت يوم 7 أكتوبر 2016 بحصوله على 125 مقعدا من أصل 395 مقعدا برلمانيا، وكلف أمينه العام المعفى عبد الإله بنكيران بمهمة تشكيل الحكومة، دخل الحزب ضمن مسار قيادته للمرحلة الحكومية الجديدة لـ”مسار سياق القيادة الصعب”، الذي ابتدأ مساره بـ “البلوكاج الحكومي” الذي أسقط أمينه ورئيس حكومته عبد الإله بنكيران، وتم تعويضه بأمينه العام الجديد سعد الدين العثماني، الذي لم تفرش له بدوره الورود، لتتبعه هو أيضا لعنة ” الكراسي”.

 

“البلوكاج الحكومي”

لم يكن يعتقد حزب العدالة والتنمية، الذي كلف أمينه العام  عبد الإله بنكيران بتشكيل الحكومة الجديدة أياما قليلة بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب يوم 07 أكتوبر، أن يجد نفسه في تناقض صارخ ما بين “الشرعية الثمتيلية” و”التحالفات والتوافقات الحزبية”، وخصوصا عندما أعلن كل من حزبي “الاستقلال” و”الاتحادالاشتراكي للقوات الشعبية” استعدادهما للمشاركة في التحالف الحكومي المنتظر بالإضافة إلى حزب “التقدم والاشتراكية” ( حليفه الرئيسي)، أمام ما أصطلح على تسميته بـ “البلوكاج الحكومي”.

تعثر تشكيل الحكومة

شكل سياق تشكيل الأغلبية الحكومية. بالمغرب أحد الأحداث البارزة التي بصمت سنة 2017، فبعد أن احتل حزب العدالة والتنمية المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، متبوعا بغريمه السياسي حزب الأصالة والمعاصرة، والتي كانت كل التكهنات تتنبأ باستحالة تحقق تحالف يجمع بينهما، دخلت حكومة بنكيران في ما عرف بـ” البلوكاج الحكومي”.

لكن يبقى أبرز حدث بصم مسار “البلوكاج الحكومي”، هي لحظة الدخول  إلى النفق المسدود بعد تصريح عزيز أخنوش، رئيس التجمع الوطني للأحرار بإيفران، وبلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي وضع كل أمل لتشكيل الحكومة دون الرجوع إلى الفصل 42 من الدستور، بعد عجز رئيسها وباقي الأحزاب عن إيجاد إطار توافقي لتشكيل حكومة منبثقة عن الشرعية التمثيلية.

تصريح أخنوش حول تشكيل الحكومة عقد الأمور ردا على بلاغ الأمانة العامة لبيجيدي، الذي حسم دعمه لمقترح رئيس الحكومة المعين في تشكيلها من أحزاب الأغلبية السابقة، معلنا تشبثه بحزب الاتحاد الاشتراكي،  الأمانة العامة لحزب بنكيران لم تتأخر للرد – بقوة – على تصريح أخنوش عبر بلاغ “انتهى الكلام” الذي أكد فيه ألا جديد في مسار تشكيل حكومة تحترم مصداقية الحياة السياسية الحزبية، وتحترم المكتسبات والإصلاحات الدستورية والسياسية التي راكمها المغرب..

بلاغ أكد من جديد أن رئيس الحكومة المعين من طرف الملك هو المخول وحده لتشكيل الأغلبية الحكومية في إطار سقف الأغلبية السابقة وليس أخنوش، ما دفع بنكيران إلى إعادة رفضه المطلق والحاسم لتواجد حزب الاتحاد الاشتراكي في الحكومة يوم السبت 11 مارس في لقاء نواحي أسفي.

وضعية جعلت المفاوضات تصل إلى الدرجة الصفر،  ليضيع بذلك كل أمل لتشكيل الحكومة دون الرجوع إلى الفصل 42، بعد عجز رئيسها وباقي الأحزاب عن إيجاد إطار توافقي لتشكيل الأغلبية الحكومة.

الملك ينقذ تشكيل الحكومة من العبث الحزبي (الفصل 42)

بعد تعثر المشاورات والمفاوضات الحكومية بقيادة رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، والتي امتدت على مدار خمسة أشهر، لم يستطع خلالها فك شفرة “البلوكاج الحكومي”، تدخل الملك بعد عودته من الجولة التي قادته إلى عدد من الدولة الإفريقية الشقيقة، وأخذه علما بأن المشاورات التي قام بها  رئيس الحكومة المعين، لمدة تجاوزت الخمسة أشهر، لم تسفر  عن تشكيل أغلبية حكومية، إضافة إلى انعدام مؤشرات توحي بقرب تشكيلها، بمقتضى صلاحياته الدستورية، وبصفته الساهر على احترام الدستور وعلى حسن سير المؤسسات، والمؤتمن على المصالح العليا للوطن والمواطنين، ليقرر إعفاء الأمين العام لحزب المصباح عبد الإله بنكيران من مهمة رئاسته للحكومة، وإعلان القصر عن سعد الدين العثماني رئيسا لحكومة ما بعد عبد الإله بنكيران.

وبعد التعيين الملكي، دخل العثماني مرحلة تشكيل الحكومة، أعلنت مشاوراتها ومفاوضاتها، عن فك شفرة “البلوكاج الحكومي” في ظرف أسبوع من تاريخ تعينه، قضى رفيق دربه بنكيران خمسة أشهر وهو يفاوض نفس أحزابها، متمكنا من طي صفحة “البلوكاج”، ليضم الائتلاف الحكومي الجديد بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية، كلا من التجمع الوطني للأحرار (ليبراليون)، الحركة الشعبية، الاتحاد الدستوري،  وحزب التقدم والاشتراكية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي كان محط إختلاف.

وحصل حزب المصباح الذي حل أولا في الانتخابات التشريعية على وزارات النقل (عبد القادر اعمارة)، والطاقة والمعادن (عزيز رباح)، والشغل (محمد يتيم)، والأسرة (بسيمة الحقاوي)، بحسب التشكيلة التي نشرتها الوكالة الرسمية، لكنه فشل في الحصول على حقيبة العدل التي كان يسعي للحصول عليها.

أما الحقائب السيادية وهي الشؤون الخارجية والداخلية فإستلمها على التوالي ناصر بوريطة وعبد الوافي لفتيت، فيما تسلم التجمع الوطني للأحرار الحقائب الاقتصادية (الاقتصاد والتجارة والفلاحة)، وأعيد تعيين رئيسه الملياردير عزيز أخنوش وزيرا للفلاحة والصيد البحري.

 

الحكومة من ” البلوكاج الحكومي” إلى “الاحتقان الاجتماعي”

لاشك ان المغرب شهد سنه 2017، تناميا  للحركات الإحتجاجية حركتها التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية، والتي وصلت إلى أزيد من 25 احتجاجا يوميا، لاتقف وراءها أحزاب سياسية أو نقابية أو جهة ما تعلن مسؤوليتها عنها، انتفاضة ضد الاختلالات الصارخة في التوزيع العادل للثروة، بصم “حراك الريف” باباها الواسع، وشكلت أحداثه أبرز احتقان إجتماعي طبع السنة التي نودعها، باعتقالاته وإعفاءات غضبته الملكية.

“حراك الريف”

لايزال جل المغاربة يتذكرون أو يرددون شعار “طحن مو”، شعار حركت تفاصيل كلماته واقعة تعرض الشاب محسن فكري لعملية “طحن” حقيقية بشاحنة لجمع النفايات بميناء الحسيمة، والتي أشعلت حراكًا احتجاجيًا واسعًا، اجتاح في البدء مختلف أنحاء المملكة، قبل أن يتركز بمنطقة «الريف» التي ينحدر منها “محسن فكري”، والتي تضم مدن الحسيمة والناظور وإمزورن، مسقط رأسه.

ليستقر الحراك بالريف في منطقة تعاني من أعلى نسب بطالة، ففي وقتٍ لا تتعدَّى النسبة الوطنية للبطالة 9%، تصل النسبة بالجهة الشرقية إلى 19%، 16.1% بجهة طنجة – تطوان، و14.2% بالحسيمة- تازة- تاونات، ضمن واقع تساهم ضمنه خمس جهات فقط، بنسب متفاوتة، في إنتاج الثروة الوطنية (الناتج الداخلي الإجمالي)، هي الدار البيضاء الكبرى بحوالي 1,8 نقطة، منتقلة من 21,3% إلى 19,5%، أي بانخفاض يؤكد استمرار التراجع الملاحظ منذ سنة 2004 حيث كانت هذه النسبة تمثل 23,7% ؛ تليها جهة الرباط – سلا – زمور – زعير بحوالي 0,6 نقطة منتقلة من 13,6% إلى 13%؛ ثم طنجة – تطوان بنصف نقطة، منتقلة من 8,8% إلى 8,3%؛ فجهة سوس – ماسة – درعة ب 0,4 نقطة، منتقلة من 8% إلى 7,6%، وتستمر تفاصيله رغم إعتقال مجموعة من نشطائه بلغ عددهم 104 معتقلا يتم التحقيق معهم بتهم من بينها  المس بأمن الدولة الداخلي، ومحاولة إضرام النار عمدا، والإهانة والعنف في حق رجال الأمن.

واقع حرك “الحراك”، وزج بأكثر من 100 محتجاً في غياهب السجون، واطلق “غضبة ملكية” أطاحت ولاتزال بوزراء ومسؤولين، وادخلت حكومة العثماني في مسار تعثر جديد، بعد ان مكن تقرير المجلس الأعلى للحسابات من رصد عدة اختلالات شابت مشروع “منارة المتوسط”.

الغضبة الملكية

لم تمر أحداث الريف بردا وسلاما على وزراء ومسؤولي المملكة، فبعد ان عبر الملك خلال إجتماع وزاري بالقصر الملكي بالدار البيضاء عن استيائه من عدم تنفيذ مشاريع برنامج الحسيمة منارة المتوسط، واعطى اوامره السامية لوزيري الداخلية والمالية، قصد قيام كل من المفتشية العامة للإدارة الترابية بوزارة الداخلية والمفتشية العامة للمالية، بالأبحاث والتحريات اللازمة بشأن عدم تنفيذ المشاريع المبرمجة، وتحديد المسؤوليات، ورفع تقرير بهذا الشأن، في أقرب الآجال، كما قرر عدم الترخيص للوزراء المعنيين بالاستفادة من العطلة السنوية، لانكباب على متابعة سير أعمال المشاريع المذكورة، استقبل الملك يومه الثلاثاء 24 أكتوبر 2017، بالقصر الملكي بالرباط، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، بحضور كل من رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والاقتصاد والمالية، معلنا عن ما سمي ” بالزلزال الملكي” الذي هز أركان الحكومة ومسؤولي المملكة.

حيث أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن التحريات والتحقيقات التي قام بها أثبتت وجود مجموعة من الاختلالات تم تسجيلها في عهد الحكومة السابقة، كما أبرز أن عدة قطاعات وزارية ومؤسسات عمومية لم تف بالتزاماتها في إنجاز المشاريع، وأن الشروحات التي قدمتها، لا تبرر التأخر الذي عرفه تنفيذ هذا البرنامج التنموي، مضيفا أنه وأمام عدم الوفاء بالالتزامات، والتأخر الملموس في إطلاق المشاريع، فقد لجأت بعض القطاعات المعنية، إلى تحويل رصيد من مساهماتها المالية لوكالة تنمية أقاليم الشمال، كوسيلة للتهرب من المسؤولية، ونظرا لحجم هذا البرنامج التنموي، وتعدد المتدخلين فيه، فإنه كان من الواجب أن تتحمل الحكومة واللجنة الوزارية للتتبع، مهمة الإشراف المباشر عليه، ليعلن الملك باعتباره الساهر على حقوق المواطنين وصيانة مصالحهم، وتفعيلا لأحكام الفصل الأول من الدستور، وخاصة الفقرة الثانية منه، المتعلقة بربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وبناء على مختلف التقارير المرفوعة إليه، من طرف المفتشية العامة للإدارة الترابية والمفتشية العامة للمالية، والمجلس الأعلى للحسابات، وبعد تحديد المسؤوليات، بشكل واضح ودقيق، عن إعفاء عدد من المسؤولين الوزاراء.

وضعية أعادت حكومة العثماني إلا مرحلة ما قبل “البلوكاج الحكومي”، لتطرح سؤال من سيعوض الوزراء المغضوب عليهم؟، وأدخلت الأغلبية الحكومية ضمن مشاورات تعويض ” وزراء الغضبة الملكية”، واضعة كل من حزب الحركة الشعبية في حيرة أمام صعوبة حصر لائحة اقتراحه لاسماء الحركيين اللذين سيعوضان كلا من محمد حصاد، وزير التعليم والتكوين المهني، وزير الداخلية في الحكومة السابقة، والعربي بن الشيخ، كاتب الدولة المكلف بالتكوين المهني، وحزب  التقدم والاشتراكية أمام سؤال من الأقدر على تعويض امينه العام نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، الذي أعفي من مهامه بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، والحسين الوردي، وزير الصحة، الذي أعفي من مهامه بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة.

هكذا كانت 2017 سنة “لعنة الكراسي” و”المسار الصعب” أمام حزب العدالة والتنمية وحكومته، التي لم تتوقف أحداتها عند “البلوكاج الحكومي” وأحداث “حراك الريف” وغضبته الملكية، بل إستمرت ولاتزال اطوار فصول رواية “لعنة الكراسي” بأحداث بصمة السنة ” فاجعة الصويرة” و”حراك جرادة”…

 

 

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد