القرار 22.20 مشروع خطير و الحكومة مسؤولة عنه

كتب : محمد الغيث ماء العنين

هل يمكن اعتبار حزب العدالة و التنمية هو اكبر مستفيد اعلاميا من ازمة وباء كورونا و هل نجح في تجيير ارتفاع ثقة منسوب الرأي العام في المؤسسات لصالحه ؟! الأكيد ان الملاحظ المتتبع لا يمكنه إلا ان يرى تصدر هذا الحزب للمشهد الاعلامي منذ بداية الازمة، مع كل ما لهذا التصدر من انعكاسات ايجابية محتملة على صورته مع كل ما سيترتب على ذلك سياسيا من زيادة في شعبيته، هل يتعلق الامر بخطة اعلامية مدروسة بلغت اوجها بتسريب مشروع القرار 22.20 أم أن الامر لا يعدوا كونه توالي احداث صادف انها كلها تصب ” اعلاميا ” في مصلحة الحزب؟!
.
القطاعات الوزارية التي يسيرها وزراء العدالة و التنمية ليست بالقطاعات التي استقطبت الاضواء خلال الازمة باستثناء وزارة الطاقة، لفترة محدودة، اثناء ازمة تهافت المواطنين على قنينات الغاز اواسط شهر مارس مما استدعى خروج الوزير الرباح اعلاميا لتطمين المواطنيين بان السوق تتوفر على تموين كافي من هذه المادة. على العكس من القطاعات التي التي يديرها وزيرا حزب الاحرار السيد بنشعبون الذي يترأس في نفس الوقت لجنة اليقظة الاقتصادية و العلمي الذي يدبر قطاع الصناعة و الاثنان كانت الاجراءات المتخذة في القطاعات التي يشرفان عليها في صميم الاجراءات التي اعتبرت ناجحة و استباقية و نموذجا لتميز النموذج المغربي في مواجهة الازمة.

و قد كان خروجهما للاعلام متكررا و موفقا، إلا ان اسلوبهما التواصلي ( و اعتقد انه مقصود ) و رغم لونهما الحزبي يجعل المستفيد من خطابها التسويقي حصرا هو الحكومة مجتمعة و الدولة بشكل عام, و ينطبق نفس الامر على اسلوب تواصل وزير الصحة السيد آيت الطالب و هو شيء يحسب للوزراء الثلاثة لعدم انجرارهم امام اغراء تجيير انجازات قطاعاتهم للجهة السياسية التي ينتمون اليها.

السيد امزازي الذي عوض الوزير عبيابة كناطق باسم الحكومة و الذي اثار انتظارات كبيرة عند تعيينه في هذا المنصب الحساس كان هو الغائب الاكبر حيث ان التواصل المؤسساتي للحكومة لم يعد من الممكن ان يظل مقتصرا على البيانات التي تصدر عقب اجتماعات مجلس الحكومة الاسبوعية بل فرضت الازمة و الحاجة لتمكين المواطنين من المعلومة بشكل مستمر ان ترتفع وتيرته لكي يصبح يوميا و احيانا عدة مرات في نفس اليوم لتغطية كل المستجدات، من بيانات وزارة الصحة حول حالة تتطور الوباء الى تغطية مختلف الإجراءات الحكومية التي تم اتخاذها للتخفيف من آثار الازمة اجتماعيا و اقتصاديا …

هذا الفراغ على مستوى التواصل نجح حزب العدالة و التنمية بامتياز في استغلاله و تغطيته بشكل كبير في تجيير مكتسباته اعلاميا و بالتالي سياسيا لصالحه من خلال قناتيين اساسيتين :

١ قناة رئيس الحكومة : فالسيد العثماني سواء كان ذلك بشكل عفوي او بشكل علمي مدروس اصبح هو المصدر الحكومي الاساسي للمعلومة المؤسساتية عبر حسابيه على شبكتي تويتر و الفيسبوك و الذين يتابعهما مجتمعين اكثر من نصف مليون شخص، هاذان الحسابان نشطان بشكل لافت حيث يتم اغنائهما بشكل يومي بعدة تغريدات و تدوينات تستقطب كل واحدة منها مئات التفاعلات بين اعجاب و تعليق و اعادة نشر و هذه التغريدات تجمل كل ما نشرته مختلف القطاعات الحكومية يوما بيوم كما تتخللها تغطية لانشطة رئيس الحكومة و بعض الاخبار ذات الطابع الانساني كصورة اول رضيعة شفيت من داء الكورونا و هي الصورة التي حظيت على اكثر من ثمانية آلاف اعجاب، الطابع التفاعلي لوسائط التواصل الاجتماعي ادى بكل تأكيد الى حدوث تقارب بين السيد العثماني و بين متابعيه الشيء الذي لا يمكن الا ان ينعكس اثرا ايجابيا على شعبيته و بالتالي على شعبية حزبه

٢ قناة السيد مصطفى الخلفي : صفحة الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة على الفيسبوك تعطي الانطباع لمتصفحها بأن السيد الخلفي لم ينقطع ابدا عن ممارسة مهامه الحكومية كناطق رسمي، فقط الذي تغير هو ان تصريحاته لم تعد تنقل عبر القنواة التلفزية الرسمية و لكن اصبحت مقتصرة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ما ينشر على صفحة السيد الخلفي و اسلوبه يدل على ان العفوية و الهواية لا مكان لهما بل هي الاحترافية العالية في فن التواصل السياسي، و الطبيعة المؤسساتية للمنشورات في صفحة من المفروض انها ” صفحة شخصية” تخلق بشكل واضح التباسا لدى المتتبع و تجعله يشعر و كانه يتابع صفحة رسمية ( و هذه من التقنيات الرائجة الاستعمال في فن التواصل) . و اذا اضفنا الى التدوينات التي تتعلق بنشاط الحكومة و الوزارات تدوينات حزبية صرفة اضافة الى العديد من الفيديوهات لمداخلات السيد الخلفي تتضمن آراءه و تعليقاته على الاوضاع بشكل لا يختلف عما ألفه عليه الجمهور حينما كان يشغل منصب ناطق رسمي باسم الحكومة يصبح من الصعب استبعاد كون الامر مقصود. و مهما كان الامر فالنتيجة واضحة هي ان حزب العدالة و التنمية لا زال يستغل صورة و تراكمات السيد مصطفى الخلفي في المخيال العام للجمهور للإستمرار في تحصيل مكاسب تواصلية و بالتالي سياسية للاستفادة من تفاعل الراي العام الايجابي مع الاجراءات التي اتخذتها الدولة منذ بدء ازمة وباء فيروس الكورونا المستجد ..

نأتي على الازمة الاخيرة المتعلقة بمشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال وسائط التواصل الاجتماعي . و كيف استفاد منها حزب العدالة و التنمية او كيف حاول ان يستفيد منها ؟!! ، ايا كانت الجهة التي تقف خلف تسريب مشروع القانون ….

اولا لا يمكن ان يختلف اثنان ان المضامين التي تم تسريبها و التي تتحدث عن عقوبات مالية و اخرى سالبة للحرية في حق كل من يدعوا الى مقاطعة منتوج او الى سحب الاموال من مؤسسة بنكية او من يشكك في منتوج معين هي صادمة و مخيفة و لا يمكن القبول بها لانها تشكل نكوصا خطيرا عن كل المكاسب الحقوقية التي تحققت في المغرب .

تسريب هذه المضامين أدى الى انتشار تحليلات و استنتاجات في صفحات المواقع الاجتماعية يمكن اختصارها فيما يلي :

وزير من حزب الاتحاد الاشتراكي يضع قانونا لحماية الشركات الكبرى و للانتقام ممن كانوا وراء حملة المقاطعة ( و هو شيء مستحيل الحدوث لأن القانون لا يمكن ان يستعمل بأثر رجعي !!!!) هذه الحملة التي تضررت منها احدى شركات كبرى من ضمها شركة في ملك رئيس حزب الاحرار … .

شخصيا لا أجد من المنطقي ان يكون حزب العدالة و التنمية وراء التسريب لان ذلك يعتبر غباء سياسيا كبيرا، و لكن هذا لا يعني انني استبعده، لانه ما دام حزب العدالة هو المستفيد الاكبر او ان خصومه في الاغلبية اي الاحرار و الاتحاد الاشتراكي هم المتضررون من التسريب فمن الطبيعي ان اصابع الاتهام سوف تتجه له بالدرجة الاولى، و على اي فالتسريب قد يكون وراءه اي شخص ممن وقعت بأيديهم نسخة من مشروع القرار و الذين يصعب حصرهم ….

ابرز محاولة للاستفادة مما وقع جاءت عن طريق وزير ” الدولة ” المكلف بملف حقوق الانسان السيد الرميد الذي تبرأ من مشروع القرار و قال بأن بعض الوزراء اعترضوا على بعض مضامينه خصوصا تلك النقط المثيرة للجدل و انه شخصيا وجه مذكرة في الموضوع للامانة العامة للحكومة ..

ليصبح المشهد الذي يريد البعض ترسيخه لدى الجمهور بعد تصريحات الرميد على الشكل الآتي :

-حزب اقترح التضييق على الحريات العامة هو الاتحاد الاشتراكي
– حزب مستفيد من مشروع القرار هو الاحرار
– حزب غيور على حقوق الانسان و معترض على مشروع القرار هو العدالة و التنمية ..

و يبدو ان خرجة السيد الرميد تهدف الى تثبيت هذه المعادلة لدى الراي العام مع انه حاول ان يظهر بمظهر ” رجل الدولة ” المسؤول بقوله بأن النسخة الرائجة ليست هي التي سوف تعتمد و ان وزراء آخرين اعترضوا على الصيغة الحالية

لكن الامر ليس بهذه البساطة و الراي العام ليس بتلك البساطة التي يعتقد بعض السياسيين،صحيح انه يمكن جره في اتجاه معين بسهولة نسبية لكن الاكيد ايضا انه و بسرعة يبدأ في طرح الاسئلة و في اعادة قراءة المشهد بعد ان تزول صبغة ” الخبر العاجل ” على الحدث .

السيد الرميد هو وزير دولة اي ان منصبه سياسي بامتياز و ليس فقط تقني. و هو يعلم اكثر من غيره ان الحكومة يقودها زميله في الحزب و ان قراراتها هي قرارات تلزم ليس فقط الوزير المسؤول عن القطاع المعني بالقرار بل تلزم كل اعضائها بحكم مبدء التضامن الحكومي بل و تلزم، بحكم المسؤولية السياسية، كل احزاب الاغلبية المشكلة لها. و بالتالي ليس من المقبول من أي وزير و لا من أي حزب مشارك في الاغلبية الحكومية ان يتعامل مع قرارات الحكومة و منجزاتها كأنها قائمة طعام يختار منها ما يناسبه، كما ان كلام السيد الرميد يفتح بابا آخر من التساءلات من قبيل : هل موقفه من القرار 22.20 موقف شخصي ام انه موقف حزبه و بالتالي موقف كل وزراء حزبه بمن فيهم رئيس الحكومة !؟ و إذا كان الامر كذلك فهل يجوز ان تحيل الامانة العامة للحكومة عل الوزراء مشروع قانون من اجل المناقشة بينما اهم بنود مشروع القانون هذا لا يوافق عليها رئيس الحكومة نفسه !؟

مشروع القرار 22.20 هو مشروع خطير لا من حيث المضمون و لا من حيث التوقيت و الحكومة مجتمعة كلها مسؤولة عنه و الصيغة النهائية التي سوف تعرض على البرلمان للتصويت سوف ينتظرها المغاربة كافة و عدم سحب كل النقاط المتعارضة مع المكتسبات الحقوقية المثبتة و بل و مع ماهو متأمل من توسيع دائرة الحقوق و الحريات سوف يجعل الحكومة في موقع الغير واعي بجسامة المسؤولية .

كما ان استمرار العدالة و التنمية في محاولة السطو الاعلامي على منجزات الحكومة و الدولة لمكافحة آثار ازمة وباء كورونا تشتم منه رائحة التحضيير للاستحقاقات الانتخابية القادمة على حساب المجهود الوطني التضامني الذي يجب ان تغيب في لحظته كل الذوات و خصوصا الذات الحزبية منها ..

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد