تناقلت وسائل الاعلام العالمية صورة لرضيعة مغربية بين يدي مسعف إسباني، الذي انقذها من الغرق في البحر عند الحدود المائية بين سبتة المحتلة وباقي تراب المملكة، صورة الرضيعة التي على الأرجح لم يتجاوز عمرها سنة او سنتين، بين يدي ذلك المجند الإسباني كانت جد معبره لما آلت اليه الظروف ولما صارت إليه الاوضاع هذه الايام، على خلفيه تصاعد الخلاف بين بلدنا والجارة الشمالية الايبيرية..
أصل الخلاف يعود إلى التجاوزات الاسبانية المتكررة
المعاديه لمصالح بلدنا الجيوستراتيجية والحيوية والوطنية، وعلى رأسها بطبيعة الحال قضية وحدتنا الترابية، واستقبالهم مؤخرا لزعيم البوليساريو ابراهيم غالي، وقبول دخوله لتراب المملكة الإسبانية بوثائق مزوره.
هذا العمل الاستفزازي العدائي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، واثبتت بما لا يدعو للشك أن الجارة هذه لم تتغير، ولن تغير من سياساتها المتعالية المتغطرسة اتجاه بلدنا.
وبخلاف المعهود، وبخلاف ما توقعه القائمون على أمور السياسية الاسبانية، من ان المغرب لن يكون له رد فعل كبير على هذه الإساءة الى وحدتنا الترابية. فاجأ المغرب إسبانيا ومعها العالم برد فعل قوي، حيث في البداية كانت هناك تصريحات رسمية و خطوات رسمية موجهه الى قلب الدولة الاسبانية وقلب السياسة الاسبانية ومفادها ان الكيل طفح… وكان رد فعل منطقي في توقيته وقوته.
ولكن في خطوة من خارج السياق و غير مفهومة وغير منطقية وبلا دلالة واضحة، وغير معروف خلفيتها الحقيقية، وقع اجتياح الآلاف من المهاجرين الغير شرعيين وأغلبهم مغاربة، وأغلبهم قاصرين بل ومنهم رضع لم يبلغوا حتى سن المشي، ومعهم كذلك بعض الافارقة من جنوب الصحراء، للحدود البحرية بين مدينة سبتة المغربية المحتلة وباقي تراب المملكة، هذه الخطوة كانت مفاجئة بشكل سلبي وبشكل صادم وفي سيناريو لم يتوقعه حتى اكثر المتشائمين من المحللين والمتابعين للشأن العام !
الخطوة التي ربما اراد لها اصحابها ان يكون لها اشعاع ايجابي، كان لها التاثير العكسي تماما، واقبح ما نتج عنها، هو السيل المنهمر من الصور والفيديوهات الصادمة التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، والمحطات والقنوات الإقليمية والدولية لأطفال مغاربة صغار قاصرين، ومنهم رضع، في حال من البؤس والضعف والتعاسة، وهم إما واقفين على اعتاب مدينة سبتة أو في مياهها يعاكسون الموج في مسعى للوصول لبرها، وأقبح تلك الصور وأشدها فداحة، منظر المئات منهم واقفين في طابور في مدينة سبتة تحت أعين وحراسة مجندي السلطات الاسبانية المحتلة للمدينة، وأغلبهم بلباس رث قديم وممزق وفي حالة من البؤس والفقر والجوع وترتعد فرائصهم من البرد !
في منظر مخزي و منظر محزن و منظر بائس وتعيس وللاسف في تسويق سلبي وسيء لصورة المغرب في العالم !
لقد تم التسويق لصورة شعب كل همه القفز على اول فرصة للهروب من بلده الأم، إتجاه البلد الذي من المفروض أننا في خلاف معه، والذي من المفترض اننا كموطنين يجب ان نقف صفا واحدا ونقول له لا، وكفى مسا بمصالحنا العليا، فإذا بفلذات أكبادنا تهرب اليه وتلود به هربا من بلدها ومن بؤسها ومن شقائها فيا لسخرية الاقدار ..!
في زماننا هذا للأسف الصورة وحدها هي التي تبقى عالقة في الأذهان، والصورة فقط هي التي تبقى مسيطرة على الاذهان بعد مرور الاحداث، الصورة للاسف لها تأثير ووقع اكثر من الكلمات، بل حتى واكثر من المواقف، لا أدري بالضبط حجم الضرر التي اوقعته هذه الصور وتلك الفيديوهات، وهي أكيد قد أوقعت ضرر ليس بالسهل، ولست ادري كم سيدوم ذلك الضرر وكم سيدوم وقعه السلبي على سمعة البلاد، ولكن ما اعلمه يقينا أن هذه الخطوة كانت خاطئة ولو كان الهدف المفترض من ورائها نبيل، وما اعلمه أيضا ان هذه الخطوة لا يجب ان تتكرر، وأنه يجب ان نأخذ من نتائجها العبره، وما اعلمه أخيرا أنه يجب القيام بالكثير والكثير لمحو تلك الصور من مخيلة الرأي العام العالمي …
ولكي لا يفهم كلامي فهما عكسيا، فأنا هنا لا أطالب بوقف الدفاع عن النفس، ووقف الدفاع عن كرامة وشرف وحدة المملكة ضد كل من تسول له نفسه الاعتداء على عرينها، ولكن ذلك يتطلب تطوير اسلوب الرد، وتطوير أسلوب الدفاع وتوحيد الصفوف في اطار خطط تكون مدروسة ويكون لها الوقع الايجابي على وحدتنا الترابية وحماية مقدساتنا، وبطبيعة الحال وفي نفس الوقت تجنب الوقوع في مثل تلك السقطات التي أضرت بالبلاد اكثر من ما نفعتها ..!
رسالتي يا سادة، ان القضية عادلة وعلى المحامي ان يكون شاطرا وعليه ان ينهج استراتيجية ذكية لكي يربح القضية، وخصوصا عندما تكون القضية وجميع مقوماتها عادلة ومنصفه و قابلة للربح ….